من الرّجال (فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) يعني إذا كانا حرّين بالغين بكرين غير محصنين فأما إذا كانا محصنين أو كان أحدهما محصنا كان عليه الرجم بلا خلاف ، والإحصان : هو أن يكون له فرج يغدو إليه ويروح على وجه الدوام ، وقيل : إنّما قدّم ذكر الزانية على الزاني لأن الزنا منهن أشنع وأعير وهو لأجل الحبل أضر ، وقوله : فاجلدوا ، هذا خطاب للأئمة ومن يكون منصوبا للأمر من جهتهم ، لأنه ليس لأحد أن يقيم الحدود إلا الأئمّة وولاتهم بلا خلاف (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) معناه : إن كنتم تصدّقون بالله وتقرّون بالبعث والنشور ، فلا تأخذكم بهما رحمة تمنعكم من إقامة الحدود عليهما فتعطّلوا الحدود. وقوله : (فِي دِينِ اللهِ) : أي في حكم الله (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما) أي وليحضر حال إقامة الحد عليهما (طائِفَةٌ) أي جماعة (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وهم ثلاثة فصاعدا ، وقيل : أقله رجل واحد عن ابن عباس والحسن ومجاهد وإبراهيم ، وهو المروي عن أبي جعفر (ع) ويدل على ذلك قوله : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) ، وهذا الحكم يثبت للواحد كما يثبت للجميع وقيل : أقلها أربعة لأن أقل ما يثبت به الزنا شهادة أربعة عن ابن زيد وقيل : ليس لهم عدد محصور بل هو موكول إلى رأي الإمام ، والمقصود أن يحضر جماعة يقع بهم اذاعة الحدّ ليحصل الاعتبار وقوله (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) أن المراد بالنكاح العقد ، ونزلت الاية على سبب : وهو أن رجلا من المسلمين استأذن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في أن يتزوج أم مهزول وهي امرأة كانت تسافح ولها راية على بابها تعرف بها فنزلت الآية والمراد بالآية النهي ، ويؤيده ما روي عن أبي جعفر عليهالسلام ، وأبي عبد الله عليهالسلام أنهما قالا : هم رجال ونساء كانوا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله مشهورين بالزنا ، فنهى الله عن أولئك الرجال والنساء ، والناس على تلك المنزلة ، فمن شهر بشيء وأقيم عليه الحد فلا تزوجوه (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أي حرّم نكاح الزانيات أو حرّم الزنا على المؤمنين فلا يتزوج بهن أو لا يطؤهن إلا زان أو مشرك.
٤ ـ ٥ ـ لمّا تقدّم ذكر حدّ الزنا عقّبه سبحانه بذكر حدّ القاذف بالزنا فقال سبحانه (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) أي يقذفون العفائف من النساء بالفجور والزنا وحذف لدلالة الكلام عليه (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) أي ثم لم يأتوا على صحة ما رموهن به من الزنا بأربعة شهداء عدول يشهدون أنهم رأوهن يفعلن ذلك (فَاجْلِدُوهُمْ) أي فاجلدوا الذين يرموهن بالزنا (ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) نهى سبحانه عن قبول شهادة القاذف على التأبيد ، وحكم عليهم بالفسق ، ثم استثنى من ذلك فقال (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا) أعمالهم (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) اختلف في هذا الاستثناء إلى ماذا يرجع على قولين (احداهما) أنه يرجع إلى الفسق ، ويزول عنه بالتوبة ولا تقبل شهادته إذا تاب بعد إقامة الحد (والآخر) أن الاستثناء يرجع إلى الأمرين فإذا تاب قبلت شهادته ولم يحد.
٦ ـ ١٠ ـ لما تقدّم حكم القذف للأجنبيات عقّبه بحكم القذف للزوجات فقال (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ) بالزنا (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ) يشهدون لهم على صحة ما قالوا (إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ) معناه : فشهادة أحدهم التي تدرأ حدّ القاذف أربع شهادات (بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) فيما رماها به من الزنا (وَالْخامِسَةُ) أي : والشهادة الخامسة (أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ) فيما رماها به من الزنا والمعنى : أن الرجل يقول أربع مرّات مرة بعد مرّة أخرى : أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما ذكرت عن هذه المرأة