عن ابن عباس وعطا ومقاتل (قالَ) موسى (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) أي فعلت هذه الفعلة وأنا من الجاهلين ، لم أعلم بأنها تبلغ القتل ، لأني ما تعمدته وإنما وقع مني خطأ كمن يرمي طائرا فيصيب إنسانا (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ) أي ذهبت من بينكم إلى مدين لما خفتكم ان تقتلوني بمن قتلته (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً) أي نبوة (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) أي نبيّا من جملة الأنبياء (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) يقال : عبده وأعبده إذا اتخذه عبدا وقيل في معناه أقوال (أحدها) ان فيه اعترافا بأن تربيته له كانت نعمة منه على موسى ، وانكارا للنعمة في ترك استعباده ، ويكون ألف التوبيخ مضمرا فيه فكأنه يقول : أو تلك نعمة تمنها عليّ ان عبدت بني اسرائيل ولم تعبدني (وثانيها) انه انكار للمنة أصلا ومعناه : أتمنّ عليّ بأن ربّيتني مع استعبادك قومي؟ هذه ليست بنعمة ، يريد ان اتخاذك بني إسرائيل الذين هم قومي عبيدا أحبط نعمتك التي تمنّ بها عليّ (وثالثها) معناه : انك لو كنت لا تستعبد بني إسرائيل ، ولا تقتل أبناءهم لكانت أمّي مستغنية عن قذفي في اليم ، فكأنك تمتن عليّ بما كان بلاؤك سببا له عن الزجاج ، وزاد الأزهري لهذا بيانا فقال : ان فرعون لما قال لموسى عليهالسلام ألم نربك فينا وليدا فاعتد عليه بأن رباه وليدا منذ ولد إلى ان كبر ، فكان من جواب موسى عليهالسلام له تلك نعمة تعتد بها عليّ لأنك عبدت بني إسرائيل ولو لم تعبدهم لكفلني أهلي فلم يلقوني في اليم ، فإنما صارت لك علي نعمة لما أقدمت عليه مما حظره الله عليك (ورابعها) ان فيه بيان انه ليس لفرعون عليه نعمة لأن الذي تولى تربيته أمه وغيرها من بني إسرائيل بأمر فرعون لما استعبدهم ، فيكون معناه : انك تمنّ عليّ بأن استعبدت بني إسرائيل حتى ربوني وحفظوني عن الجبائي (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) أي : أيّ جنس رب العالمين الذي تدعوني إلى عبادته (قالَ) موسى في جوابه (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي مبدعهما ومنشئهما وخالقهما (وَما بَيْنَهُمَا) من الحيوان والجماد والنبات (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) بأن الرب من كان بهذه الصفة (قالَ) فرعون (لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ) يريد ألا تستمعون مقالة موسى؟ فجرى موسى عليهالسلام على عادته في الرفق وتأكيد الحجة وتكريرها (قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) وانما ذكره تأييدا لما قبله ، وتوكيدا له ، فإن فرعون كان يدّعي الربوبية على أهل عصره دون من قبله ، فبيّن ان المستحق للربوبية من هو رب أهل كل عصر ، ومالك تدبيرهم ؛ فعند ذلك (قالَ) فرعون إذ لم يقدر على جواب لكلام موسى عليهالسلام يموّه عليهم (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) لأنّي أسأله عن ماهية رب العالمين فيجيبني عن غير ذلك كما يفعل المجنون ؛ فعند ذلك لم يشتغل موسى عليهالسلام بالجواب عما نسبه إليه من الجنون ولكن اشتغل بتأكيد الحجة ، والزيادة في الإبانة بأن (قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) ذلك وتدبرونه ، وقيل : ان كنتم تعلمون انه إنما يستحق العبادة من كان بهذه الصفة. فلما طال على فرعون الاحتجاج (قالَ) مهدّدا له (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) أي من المحبوسين ، قالوا : وكان إذا سجن أحدا لم يخرجه حتى يموت ؛ فلما توعده بالسجن (قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ) معناه : أتسجنني ولو جئتك بأمر ظاهر تعرف به صدقي وكذبك ، وحجة ظاهرة تدل على نبوتي؟!!.
٣١ ـ ٥٠ ـ (قالَ) فرعون لموسى (فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أي هات ما أدّعيت من المعجزات ان كنت صادقا (فَأَلْقى) حينئذ موسى (عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ) أي حيّة عظيمة وقيل : الثعبان الذكر من الحيات (مُبِينٌ) ثعبان لا شبهة فيه (وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ) أي واخرج يده من كمه