أو جيبه على ما روي فإذا هي بيضاء بياضا نوريا كالشمس في إشراقها للناظرين إليها (قالَ) فرعون (لِلْمَلَإِ) الاشراف من قومه (حَوْلَهُ إِنَّ هذا) يعني موسى (لَساحِرٌ عَلِيمٌ) بالسحر والحيل (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) ودياركم ويتغلب عليها (بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ) في بابه. وانما شاور قومه في ذلك مع انه كان يقول لهم : انه إله ، لأنه يجوز ان يكون ذهب عليه وعلى قومه ان الإله لا يجوز أن يشاور غيره ، كما ذهب عليهم ان الإله لا يجوز أن يكون جسما محتاجا ، فاعتقدوا إلهيته مع ظهور حاجته (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) أي قالوا لفرعون أخّره وأخاه هارون ولا تعجل بالحكم فيهما بشيء فتكون عجلتك حجّة عليك ، عن الزجّاج ، وقيل : أخّره ، أي احبسه ، والأوّل أصح ، لأنه كان يعلم أنّه لا يقدر على حبسه مع ما رأى من تلك الآيات (وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) يحشرون الناس من جميع البلدان (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ) وفي الكلام حذف تقديره : انه انفذ الحاشرين في البلدان فحشروهم (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) أي لوقت يوم بعينه اختاروه وعينوه وهو يوم عيدهم ، يوم الزينة (وَقِيلَ لِلنَّاسِ) أي لأهل مصر (هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ) لموسى وأخيه (فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ) وحضروا بين يدي فرعون (قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ) أي هل لنا اجرة وجزاء على غلبتنا إياه ان نحن غلبناه؟ (قالَ) فرعون (نَعَمْ) لكم على ذلك الأجر الجزيل (وَإِنَّكُمْ) مع ما تعطون من الجزاء والأجر (إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) والمقرب : المدني من مجلس الكرامة (قالَ لَهُمْ) أي للسحرة (مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ) هذا بصورة الأمر والمراد به التحدي (فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ) أي طرحوا ما كان معهم من الحبال والعصي (وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ) والعزة : القوة التي يمتنع بها من لحاق ضيم لعلو منزلتها ، وهذا القول قسم منهم وإن كان غير مبرور (فَأَلْقى) عند ذلك (مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) أي ان العصا تتناول جميع ما موّهوا به في أوجز مدة من الزمان (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) لما بهرهم ما أظهره موسى عليهالسلام من قلب العصا حية ، وتلقفها جميع ما أتعبوا به نفوسهم فيه ، وعلموا ان ذلك من عند الله ، إذ أحد من البشر لا يقدر عليه (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) فعند ذلك (قالَ) فرعون مهدّدا لهم (آمَنْتُمْ) أي صدّقتم له فيما يدعو إليه (قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) أي انا في تصديقه (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ) اي استاذكم وعالمكم (الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) فيما بعد ما أفعله بكم عقوبة لكم على تصديقكم إياه ، ثم فسّر ذلك بقوله (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) يعني قطع اليد من جانب ، والرجل من الجانب الآخر ، كقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) مع ذلك على الجذوع ، ولا اترك احدا منكم لا تناله عقوبتي (قالُوا) في جوابه عن ذلك (لا ضَيْرَ) أي لا ضرر علينا فيما تفعله يقال ضاره يضيره ضيرا وضرّه يضرّه ضررا (إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) أي إلى ثواب ربنا راجعون فيجازينا على إيماننا وصبرنا بالنعيم الدائم الذي لا ينقضي ، ولا يضرّنا قطعك وصلبك فإنه ألم ساعة عن قريب ينقضي ، قال الحسن : لم يصل فرعون إلى قتل واحد منهم ولا قطعه.
القصة
لما أمنت السحرة ورجع فرعون مغلوبا ، وأبى هو وقومه إلّا الإقامة على الكفر ، قال هامان لفرعون : إن الناس قد آمنوا بموسى ، فانظر من دخل في دينه فاحبسه ، فحبس كل من آمن به من بني إسرائل ، فتابع الله عليهم بالآيات ، وأخذهم بالسنين ، ونقص من الثمرات ، ثم بعث عليهم الطوفان فخرّب دورهم ومساكنهم ، وامتلأت بيوت القبط ماء ، فقالوا لموسى :