ادع لنا ربك يكشف عنا فنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل ، فدعا ربه فكشف عنهم الطوفان فلم يؤمنوا ، فأنزل الله عليهم في السنة الثانية الجراد ، فجردت زروعهم وأشجارهم ، حتى كانت تجرد شعورهم ولحاهم ، فعجّوا وضجّوا ، وجزع فرعون من ذلك جزعا شديدا ، وقال : (يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ) يكشف عنا الجراد حتى أخلّي عن بني إسرائيل ، فدعا موسى ربه فكشف عنه الجراد ، فلم يؤمنوا فأنزل الله عليهم في السنة الثالثة القمل ـ وهو الجراد الصغار الذي لا أجنحة له ـ وهو شر ما يكون وأخبثه ، فأتى على زروعهم كلها وأجتثها من أصلها ، فصرخوا وصاحوا. فقال فرعون لموسى أدع لنا ربك لئن كشفت عنا القمل لأكفن عن بني إسرائيل فدعا موسى حتى ذهب القمل فنكثوا ، فأنزل الله عليهم في السنة الرابعة الضفادع ، فكانت تكون في طعامهم وشرابهم ، وامتلأت منها بيوتهم وأبنيتهم ، فلما رأوا ذلك بكوا وشكوا إلى موسى ، وقالوا : هذه المرة نتوب ولا نعود ، فأخذ عهودهم ومواثيقهم ، ثم دعا ربه فكشف عنهم الضفادع ، ثم نقضوا العهد وعادوا لكفرهم ، فلما كان السنة الخامسة أرسل عليهم الدم ، فسال ماء النيل عليهم دما ، فمكثوا سبعة أيام لا يأكلون إلّا الدم ، ولا يشربون إلّا الدم ، ثم أخبر سبحانه عنهم أيضا فقال (وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ) وهو الطاعون ، مات من القبط سبعون ألف انسان ، قالوا يا موسى أدع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل. فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون. فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم.
٥١ ـ ٦٨ ـ (إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا) أي ما فعلناه من السحر وغيره (أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) أي لأنا كنّا أول من صدّق موسى وأقرّ بنبوّته ، وبما دعانا إليه من التوحيد ونفي التشبيه (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي) سبق تفسيره في سورة طه (إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) يتبعكم فرعون وجنوده ليحولوا بينكم وبين الخروج من أرض مصر (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) يحشرون إليه الناس ، ويجمعون له الجيوش ليقبضوا على موسى وقومه لمّا ساروا بأمر الله عزوجل ، فلما حضروا عنده (قالَ) لهم (إِنَّ هؤُلاءِ) يعني أصحاب موسى (لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) أي عصابة من الناس قليلة قال الفراء : يقال : عصبة قليلة وقليلون ، وكثيرة وكثيرون ، وقال المفسرون : وكان الشرذمة الذين قلّلهم فرعون ستمائة ألف ، ولا يحصى عدد أصحاب فرعون (وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ) يقال : غاظة واغتاظه وغيظه إذا أغضبه ، أي انّهم غاظونا لمخالفتهم إيانا في الدين ، ثم لخروجهم من أرضنا على كره منّا وذهابهم
__________________
عن عبد الله بن مسكان ، عن يعقوب الأحمر قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : جعلت فداك إنه أصابتني هموم وأشياء لم يبق شيء من الخير إلّا وقد تفلّت منّي منه طائفة حتّى القرآن ، لقد تفلت منّي طائفة منه. قال : ففزع عند ذلك حين ذكرت القرآن ، ثم قال : إنّ الرجل لينسى السورة من القرآن فتأتيه يوم القيامة حتّى تشرف عليه من درجة من بعض الدرجات ، فتقول : السلام عليك ، فيقول : وعليك السلام ، من أنت؟ فتقول : أنا سورة كذا وكذا ، ضيّعتني وتركتني ، أما لو تمسّكت بي بلغت بك هذه الدرجة ، ثم أشار بإصبعه ، ثم قال : عليكم بالقرآن فتعلّموه ، فإنّ من الناس من يتعلّم القرآن ليقال : فلان قارىء ، ومنهم من يتعلّمه فيطلب به الصوت ، فيقال : فلان حسن الصوت ، وليس في ذلك خير ، ومنهم من يتعلّمه فيقوم به في ليله ونهاره ، لا يبالي من علم ذلك ومن لم يعلمه. أصول الكافي : ٢ / ٥٨٢.