٦٩ ـ ١٠٤ ثم قال سبحانه (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ) يا محمد (نَبَأَ إِبْراهِيمَ) أي خبر إبراهيم ، فإنه شجرة الأنبياء ، وبه افتخار العرب ، وفيه تسلية لك ، وعظة لقومك (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ) على وجه الإنكار عليهم (ما تَعْبُدُونَ) أي أيّ شيء تعبدون من دون الله (قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ) أي فنظل لها مصلين عن ابن عباس وقيل معناه : فنقيم على عبادتها مداومين (قالَ) ابراهيم (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ) أي هل يسمعون دعاءكم (إِذْ تَدْعُونَ) معناه : هل يستجيبون دعاءكم اذا دعوتموهم (أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ) إذا عبدتموهم (أَوْ يَضُرُّونَ) ان تركتم عبادتها وفي هذا بيان ان الدين انما يثبت بالحجة ولو لا ذلك لم يحاجّهم إبراهيم عليهالسلام هذا الحجاج (قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ) وهذا اخبار عن تقليدهم آباءهم في عبادة الأصنام (قالَ) إبراهيم عليهالسلام منكرا عليهم التقليد (أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ) أي الذي كنتم تعبدونه من الأصنام (أَنْتُمْ) الآن (وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ) أي المتقدمون ، أي والذين كان آباؤكم يعبدونهم وانما دخل لفظة كان لأنه جمع بين الحال والماضي (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) معناه : ان عبادة الأصنام عدوّ لي مع الأصنام عدوّ لي إلا انه غلب ما يعقل وقيل انه يعني الأصنام وانما قال فإنهم فجمعها جمع العقلاء لما وصفها بالعداوة التي لا تكون إلا من العقلاء وجعل الأصنام كالعدو في الضرر من جهة عبادتها ويجوز أن يكون قال فإنهم لأنه كان منهم من يعبد الله مع عبادته الأصنام فغلب ما يعقل ولذلك استثنى فقال (إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) استثناء من جميع المعبودين. ثم وصف ربّ العالمين فقال (الَّذِي خَلَقَنِي) وأخرجني من العدم إلى الوجود (فَهُوَ يَهْدِينِ) أي يرشدني إلى ما فيه نجاتي وقيل : الذي خلقني لطاعته فهو يهديني إلى جنته (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) معناه : انه يرزقني ما أتغذى به ، ويفعل ما يصحّ بدني (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) أي يميتني بعد أن كنت حيّا ، ويحييني يوم القيامة بعد أن أكون ميتا (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) أي يوم الجزاء ؛ وإنما قال ذلك على سبيل الانقطاع منه إلى الله تعالى لا على سبيل أنّ له خطيئة يحتاج إلى أن يغفر له يوم القيامة ، لأن عندنا لا يجوز أن يقع من الأنبياء شيء من القبائح ، وعند جميع أهل العدل وان جوّزوا عليهم الصغائر فإنها تقع عندهم محبطة مكفرة فليس شيء منها غير مغفور فيحتاج إلى أن يغفر يوم القيامة وقيل معناه : أطمع ان يغفر لمن يشفعني فيه فأضافه إلى نفسه كقوله سبحانه لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) ، وانما قال : (وَإِذا مَرِضْتُ) ، فأضاف المرض إلى نفسه وان كان من الله استعمالا لحسن الأدب ، فإن المقصود شكر نعمة الله تعالى ، ولو كان المقصود بيان القدرة لاضافه إلى الله تعالى ، ونظيره قول الخضر عليهالسلام فأردت ان أعيبها ثم قال : فأراد ربك ان يبلغا أشدهما. وهذا الكلام من إبراهيم (ع) إنما صدر على وجه الاحتجاج على قومه ، والإخبار بأنه لا يصلح للإلهية إلا من فعل هذه الأفعال. ثم حكى الله عنه انه سأله وقال (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً) والحكم : بيان الشيء على ما تقتضيه الحكمة وقيل : انه النبوة (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) أي بمن قبلي من النبيين في الدرجة والمنزلة وقيل معناه : افعل بي من اللطف ما يؤديني إلى الصلاح ، والاجتماع مع النبيين في الثواب (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) أي ثناء حسنا في آخر الأمم ، وذكرا جميلا ، وقبولا عاما في الذين يأتون بعدي إلى يوم القيامة ؛ فأجاب الله سبحانه دعاه فكل أهل الأديان يثنون عليه ، ويقرّون بنبوته (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ) أي من الذين يرثون الفردوس (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) أي من الذاهبين عن الصواب (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) أي لا تفضحني ولا تعيرني