بذنب يوم تحشر الخلائق ؛ وهذا الدعاء كان منه عليهالسلام على وجه الانقطاع إلى الله تعالى لما بيّنا ان القبيح لا يجوز وقوعه من الأنبياء عليهمالسلام. ثم فسّر ذلك اليوم بأن قال (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ) أي لا ينفع المال والبنون أحدا إذ لا يتهيأ لذي المال ان يفتدي من شدائد ذلك اليوم به ، ولا يتحمل من صاحب البنين بنوه شيئا من معاصيه (إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) من الشرك والشك ؛ وانما خصّ القلب بالسلامة لأنه اذا سلم القلب سلم سائر الجوارح من الفساد ، من حيث ان الفساد بالجارحة لا يكون إلا عن قصد بالقلب الفاسد وروي عن الصادق عليهالسلام انه قال هو القلب الذي سلم من حب الدنيا ويؤيده قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حبّ الدنيا رأس كل خطيئة (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) أي قربت لهم ليدخلوها (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ) أي أظهرت وكشف الغطاء عنها للضالين عن طريق الحق والصواب (وَقِيلَ لَهُمْ) في ذلك اليوم على وجه التوبيخ (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأصنام والأوثان وغيرهما (هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ) بدفع العذاب عنكم في ذلك اليوم (أَوْ يَنْتَصِرُونَ) لكم إذا عوقبتم (فَكُبْكِبُوا فِيها) أي جمعوا وطرح بعضهم على بعض عن ابن عباس (هُمْ) يعني الآلهة التي تعدونها (وَالْغاوُونَ) أي والعابدون والمعنى : اجتمع المعبودون من دون الله والعابدون لها في النار (وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ) أي وكبكب معهم جنود إبليس ، يريد من اتبعه من ولده وولد آدم (قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ) أي قال هؤلاء وهم في النار يخاصم بعضهم بعضا (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) وان هذه هي المخففة من الثقيلة أي إنا كنا في ضلال ومعناه : لقد كنا في ضلال عن الحق بيّن ، وذهاب عن الصواب ظاهر ، إذ سوّيناكم بالله ، وعدلناكم به في توجيه العبادة إليكم (وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) أي إلّا أولونا الذين اقتدينا بهم عن الكلبي وقيل : إلا الشياطين عن مقاتل وقيل : الكافرون الذين دعونا إلى الضلال ؛ ثم أظهروا الحسرة فقالوا (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ) يشفعون لنا ، ويسألون في أمرنا (وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) أي ذي قرابة يهمّه أمرنا والمعنى : ما لنا من شفيع من الأباعد ، ولا صديق من الأقارب ، وذلك حين يشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون. وروى العياشي بالإسناد عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : والله لنشفعن لشيعتنا ، والله لنشفعن لشيعتنا حتى يقول الناس : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) إلى قوله (فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، ثم قالوا (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) أي رجعة إلى الدنيا (فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) المصدّقين ، فتحلّ لنا الشفاعة (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي فيما قصصناه (لَآيَةً) أي دلالة لمن نظر فيها واعتبر بها (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) فيها تسلية للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وإعلام له بأن الشرّ قديم (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) مضى معناه.
١٠٥ ـ ١٢٢ ـ ثم ذكر سبحانه حديث نوح عليهالسلام فقال (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) أي كذبت جماعة نوح المرسلين ، لأن من كذب رسولا واحدا من رسل الله فقد كذب الجماعة ، لأن كل رسول يأمر بتصديق جميع الرسل وقال أبو جعفر (ع): يعني بالمرسلين نوحا والأنبياء الذين كانوا بينه وبين آدم (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ) أي في النسب لا في الدين (أَلا تَتَّقُونَ) عذاب الله تعالى في تكذيبي ومخالفتي (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) على الرسالة فيما بيني وبين ربكم (فَاتَّقُوا اللهَ) بطاعته وعبادته (وَأَطِيعُونِ) فيما آمركم به من الإيمان والتوحيد (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) أي على الدعاء إلى التوحيد (مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ) ما جزائي وثوابي (إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) وخالق الخلائق أجمعين. ثم كرّر عليهم قوله (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) لاختلاف المعنى ، لأن التقدير : فاتقوا