الله وأطيعون لأني رسول أمين ، واتقوا الله وأطيعون لأني لا أسألكم عليه أجرا فتخافوا تلف أموالكم به ، وكل واحد من هذين المعنيين يقوي الداعي إلى قبول قول الغير ويبعد عن التهمة (قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ) أي نصدّقك فيما تقول (وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) يعنون المساكين الذين ليس لهم مال ولا عز والمعنى : ان أتباعك أراذلنا وفقراؤنا (قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي ما أعلم أعمالهم وصنائعهم ، ولم أكلّف ذلك ، وإنما كلفت أن أدعوهم إلى الله وقد أجابوني إليه (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ) أي ليس حسابهم إلّا على ربّي الذي خلقني وخلقهم ، لو تعلمون ذلك ما عبتموهم بصنائعهم (وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي ما أنا بالذي لا يقبل الإيمان من الذين تزعمون انهم الأرذلون لأني لست إلا نذيرا مخوّفا من معصية الله ، داعيا إلى طاعته مبيّنا لها (قالُوا) له عند ذلك (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ) أي إن لم ترجع عما تقوله وتدعو إليه (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) بالحجارة عن قتادة وقيل من المرجومين بالشتم عن الضحاك (قالَ) نوح (رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً) أي فاقض بيننا قضاء بالعذاب لأنه قال (وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي من ذلك العذاب (فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) أي فخلّصناه ومن معه من المؤمنين في السفينة المملوءة من الناس وغيرهم من الحيوانات (ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ) أي بعد نجاة نوح ومن معه (الْباقِينَ) أي الخارجين عن السفينة ، الكافرين به (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) واضحة على توحيد الله (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) وليس هذا بتكرار ، وإنما كل واحد في قصة على حدة ، فهذا ذكر آية في قصة نوح وما كان من شأنه ، بعد ذكر آية مما كان في قصة إبراهيم ، وذكر آية أخرى في قصة موسى وفرعون ، فبين انه ذكر كلا من ذلك لما فيه من الآية الباهرة (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) في اهلاك قوم نوح بالغرق (الرَّحِيمُ) في انجائه نوحا ومن معه في الفلك.
١٢٣ ـ ١٤٠ ـ ثم أخبر سبحانه عن عاد فقال (كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ) والتأنيث لمعنى القبيلة ، لأنه أراد بعاد القبيلة (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ) في النسب (هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ) الله باجتناب معاصيه (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) إلى قوله (رَبِّ الْعالَمِينَ) مرّ تفسيره (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ) أي بكل مكان مرتفع وقيل : بكل شرف عن ابن عباس وقيل : بكل طريق عن الكلبي والضحاك (آيَةً تَعْبَثُونَ) أي بناء لا تحتاجون إليه لسكناكم ، وإنما تريدون العبث بذلك واللعب واللهو ، كأنّه جعل بناءهم ما يستغنون عنه عبثا منهم ، عن ابن عباس في رواية عطا ، ويؤيده الخبر المأثور عن أنس بن مالك ان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خرج فرأى قبة مشرفة فقال : ما هذه؟ قال له أصحابه : هذه لرجل من الأنصار ، فمكث حتى اذا جاء صاحبها فسلم في الناس أعرض عنه ، وصنع ذلك به مرارا حتى عرف الرجل الغضب والإعراض عنه ، فشكا ذلك إلى أصحابه وقال : والله إني لأنكر نظر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما أدري ما حدث فيّ وما صنعت؟ قالوا : خرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فرأى قبتك فقال : لمن هذه؟ فأخبرناه ، فرجع إلى قبته فسوّاها بالأرض ، فخرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذات يوم فلم ير القبة
__________________
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : حملة القرآن عرفاء أهل الجنّة. أصول الكافي : ٢ / ٦٠٦.
قال الإمام الصّادق عليهالسلام : ينبغي للمؤمن أن لا يموت حتّى يتعلّم القرآن ، أو يكون في تعليمه. أصول الكافي : ٢ / ٦٠.