فقال : ما فعلت القبة التي كانت ههنا؟ قالوا : شكا إلينا صاحبها اعراضك عنه فأخبرناه فهدمها فقال : إن لكل بناء يبنى وبال على صاحبه يوم القيامة إلا ما لا بدّ منه. وقيل معناه : انهم كانوا يبنون بالمواضع المرتفعة ليشرفوا على المارة والسابلة فيسخروا منهم ، ويعبثوا بهم عن الكلبي والضحاك وقيل : إن هذا بنيان الحمام ، أنكر هود عليهم اتخاذهم بروجا للحمام عبثا عن سعيد بن جبير ومجاهد (وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ) أي حصونا وقصورا مشيدة عن مجاهد وقيل : مأخذا للماء تحت الأرض عن قتادة (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) كأنكم تخلدون فيها فلا تموتون ، فإن هذه الأبنية بناء من يطمع في الخلود ، قال الزجاج : معناه : تتخذون مباني للخلود لا تتفكرون في الموت (وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) البطش : الأخذ باليد ، أي اذا بطشتم بأحد تريدون إنزال عقوبة به عاقبتموه عقوبة من يريد التجبر بارتكاب العظائم كما قال : (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ) وقيل معناه : وإذا عاقبتم قتلتم فمعنى الجبار : القتال على الغضب بغير حق (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) مرّ معناه (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ) أي اعطاكم ما تعلمون من الخير ، والامداد : اتباع الثاني ما قبله شيئا بعد شيء على انتظام ، وهؤلاء أمدّوا بأنواع من النعم وهو قوله (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) فأعطاهم رزقهم على ادرار (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) إن عصيتموني (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) يريد يوم القيامة ، وصفه بالعظم لما فيه من الأهوال العظيمة (قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) أي أنهيتنا أم لم تكن من الناهين لنا عن الكلبي والمعنى : انا لا نقبل ما تدعونا إليه على كل حال ، أوعظت أم سكت ، أي حصول الوعظ منك وارتفاعه مستويان عندنا. ثم قالوا (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) أي ما هذا الذي جئتنا به إلا كذب الأولين الذين ادّعوا النبوة ولم يكونوا أنبياء وأنت مثلهم وقيل معناه ما هذا الذي نحن فيه إلا عادة الأولين في انهم كانوا يحيون ويموتون ولا بعث ولا حساب وقيل معناه : ما الذي تدّعيه من النبوة والرسالة إلا عادة الأولين (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) على ما تدعيه ، لا في الدنيا ولا بعد الموت (فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ) بعذاب الاستئصال (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) قد مرّ تفسيره.
١٤١ ـ ١٥٩ ـ ثم أخبر سبحانه عن ثمود فقال (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ) وهو مفسر في هذه السورة إلى قوله (أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ) معناه : أتظنون انكم تتركون فيما أعطاكم الله من الخير في هذه الدنيا آمنين من الموت والعذاب؟ وهذا اخبار بأن ما هم فيه من النعم لا يبقى عليهم وانها ستزول عنهم. ثم عدّد نعمهم التي كانوا فيها فقال (فِي
__________________
قصّة صالح عليهالسلام
وكان من قصة صالح وقومه على ما ذكره أصحاب التواريخ أن عادا لما هلكت وتقضى أمرها عمرت ثمود بعدها ، واستخلفوا في الأرض فكثروا وعمروا وكانوا في سعة من معائشهم ، فعتوا على الله وافسدوا في الأرض وعبدوا غير الله ، فبعث الله إليهم صالحا وكان من أوسطهم نسبا ، وكانوا قوما عربا ، وروي في الخبر أنه لما بعث كان ابن ست عشرة سنة فلبث فيهم يدعوهم إلى الله تعالى حتى بلغ عشرين ومائة سنة لا يجيبونه إلى خير ، وكان لهم سبعون صنما يعبدونها ، فلما رأى ذلك منهم قال لهم أنا أعرض عليكم أمرين ، إن شئتم فاسألوني حتى أسأل إلهي فيجيبكم فيما تسألون ، وإن شئتم سألت آلهتكم فإن أجابوني خرجت عنكم فقد شنئتكم وشنئتموني ، قالوا قد انصفت فاتعدوا ليوم يخرجون فيه ،