فنصر الله النبي (ص) ومن معه من المسلمين على مشركي العرب ، ونصر أهل الكتاب على مشركي العجم ، ففرح المسلمون بنصر الله إيّاهم ، ونصر أهل الكتاب على العجم (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) أي من قبل ان غلبت الروم ومن بعد أن غلبت ، فإن شاء جعل الغلبة لأحد الفريقين على الآخر ، وان شاء جعل الغلبة للفريق الآخر عليهم ، وإن شاء أهلكهما جميعا (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ) أي ويوم يغلب الروم فارسا يفرح المؤمنون بدفع الروم فارسا عن بيت المقدس ، لا بغلبة الروم على بيت المقدس فإنهم كفار ، ويفرحون أيضا لوجوه أخر وهو : اغتمام المشركين بذلك ، ولتصديق خبر الله عزوجل وخبر رسوله ، ولأنه مقدمة لنصرهم على المشركين (يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ) من عباده (وَهُوَ الْعَزِيزُ) في الانتقام من أعدائه (الرَّحِيمُ) بمن أناب إليه من خلقه (وَعْدَ اللهِ) أي وعد الله ذلك (لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ) بظهور الروم على فارس (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) يعني كفار مكة (لا يَعْلَمُونَ) صحة ما أخبرناه لجهلهم بالله تعالى (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) أي يعلمون منافع الدنيا ومضارها ، ومتى يزرعون ، ومتى يحصدون ، وكيف يجمعون ، وكيف يبنون ، وهم جهال بالآخرة ، فعمروا دنياهم ، وخربوا آخرتهم عن ابن عباس وقال الحسن بلغ والله من علم أحدهم بدنياه أن يقلب الدرهم على ظهره فيخبرك بوزنه وما يحسن أن يصلي وسئل أبو عبد الله عليهالسلام عن قوله : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) فقال : منه الزجر والنجوم.
٨ ـ ١٠ ـ ثم حثّ سبحانه على التفكّر والتدبّر فيما يدل على توحيده من خلق السماوات والأرض ، ثم في أحوال القرون الخالية والأمم الماضية فقال : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) أي في حال الخلوة لأن في تلك الحالة يتمكن الإنسان من نفسه ، ويحضره ذهنه وقيل معناه : أو لم يتفكروا في خلق الله أنفسهم والمعنى أو لم يتفكروا فيعلموا وحذف لأن في الكلام دليلا عليه (ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) قال الزجاج معناه : إلا للحق ، أي لإقامة الحق ، ومعناه للدلالة على الصانع ، والتعريض للثواب (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) أي ولوقت معلوم توفى فيه كل نفس ما كسبت وقيل معناه : خلقها في أوقات قدرها اقتضت المصلحة خلقها فيها ولم يخلقها عبثا عن الجبائي (سؤال) قالوا : كيف يعلم المتفكر في نفسه أن الله سبحانه لم يخلق شيئا إلا بالحق ، وكيف يعلم الآخرة؟ (جواب) قلنا : إذا علم بالنظر في نفسه أنه محدث مخلوق ، وأن له محدثا قادرا عالما ، وأنه حكيم ، علم أنه لم يخلقه عبثا ، وإنما خلقه لغرض وهو التعريض للثواب ، ولا يتم إلا بالتكليف ، فلا بد إذا من الجزاء (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ) أي بلقاء جزاء ربهم ، وبالبعث ، وبيوم القيامة لجاحدون غير معترفين. ثم نبّههم سبحانه دفعة أخرى فقال : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم (كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) فهلكوا وبادوا فيعتبروا بهم لعلمهم أنهم
__________________
قال الإمام الصّادق عليهالسلام : إنّ الله عزوجل أنزل في القرآن تبيانا لكل شيء حتّى والله ما ترك شيئا يحتاج إليه العبد ، حتّى والله ما يستطيع عبد أن يقول : لو كان في القرآن هذا إلّا وقد أنزله الله فيه. المحاسن : ١ / ٤١٦.
قال الإمام الصّادق عليهالسلام ؛ إنّ الله أنزل عليكم كتابه الصادق البارّ ، فيه خبركم وخبر ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وخبر السماء ، وخبر الأرض ، فلو أتاكم من يخبركم عن ذلك لعجبتم. المحاسن : ١ / ٤١٦.