أهلكوا بتكذيبهم (وَأَثارُوا الْأَرْضَ) أي وقلبوها وحرثوها بعمارتها (وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) أي أكثر مما عمرها هؤلاء الكفار لأنهم كانوا أكثر أموالا ، وأطول أعمارا ، وأكثر اعدادا فحفروا الأنهار ، وغرسوا الأشجار ، وبنوا الدور ، وشيّدوا القصور ، ثم تركوها وصاروا إلى القبور ، وإلى الهلاك والثبور (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي أتتهم رسلهم بالدلالات من عند الله فجحدوا الرسل وكذبوا ، فأهلكهم الله بالعذاب (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) بأن يهلكهم من غير استحقاق (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بأن يهلهكم من غير استحقاق (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بأن جحدوا رسل الله ، وأشركوا معه في العبادة سواه حتى استحقوا العذاب عاجلا وآجلا (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا) إلى نفوسهم بالكفر بالله وتكذيب رسله ، وارتكاب معاصيه (السُّواى) أي الخلة التي تسوء صاحبها إذا أدركها وهي عذاب الناء عن ابن عباس وقتادة (أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ) أي لتكذيبهم بآيات الله واستهزائهم بها.
١١ ـ ٢٠ ـ ثم ذكر سبحانه قدرته على الإعادة فقال : (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) أي يخلقهم ابتداء ثم يعيدهم بعد الموت احياء كما كانوا (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فيجازيهم بأعمالهم (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ) أي يوم تقوم القيامة ييأس الكافرون من رحمة الله تعالى ونعمه التي يفيضها على المؤمنين وقيل يتحيرون وتنقطع حججهم بظهور جلائل آيات الآخرة التي يقع عندها علم الضرورة (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ) أي لم يكن لهم من أوثانهم التي عبدوها ليشفعوا لهم ، شفعاء تشفع لهم ، أو تدفع عنهم كما زعموا : انا نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى (وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ) يعني : ان المشركين يتبرؤون من الأوثان وينكرون كونها آلهة ، ويقرّون بأن الله لا شريك له عن الجبائي وأبي مسلم (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) أي تظهر القيامة (يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) فيصير المؤمنون أصحاب اليمين ، والمشركون أصحاب الشمال ، فيتفرقون تفرقا لا يجتمعون بعده وقال الحسن : لئن كانوا اجتمعوا في الدنيا ليتفرقنّ يوم القيامة : هؤلاء في أعلى عليّين ، وهؤلاء في أسفل السافلين وهو قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) أي في الجنة ينعمون ويسرون سرورا يبين ما عليهم عن قتادة ومجاهد ، ومنه قيل : كل حبرة تتبعها عبرة والروضة : البستان المتناهي منظرا وطيبا ، وقال ابن عباس ويحبرون : أي يكرمون وقيل : يلذذون بالسماع عن يحيى بن ابي كثير والأوزاعي ، أخبرنا أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن أحمد البيهقي قال : أخبرنا جدّي الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي قال : حدّثنا أبو سعيد عبد الملك بن أبي عثمان الزاهد قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن بندار قال : حدّثنا جعفر بن محمد بن الحسن القرباني قال : حدّثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي قال : حدّثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه ، عن خالد بن معدان ، عن أبي أمامة الباهلي : أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : ما من عبد يدخل الجنة إلا ويجلس عند رأسه وعند رجليه ثنتان من الحور العين تغنيانه بأحسن صوت سمعه الإنس والجن ، وليس بمزمار الشيطان لكن بتمجيد الله وتقديسه ، وعن أبي الدرداء قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يذكر الناس فذكر الجنة وما فيها من الأزواج والنعيم ، وفي القوم أعرابي فجثا لركبتيه وقال : يا رسول الله هل في الجنة من سماع؟ قال نعم يا أعرابي ان في الجنة نهرا حافتاه الأبكار من كل بيضاء يتغنين بأصوات لم يسمع الخلائق بمثلها قط ، فذلك أفضل نعيم الجنة ثم أخبر عن حال الكافرين فقال : (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ) أي بدلائلنا وبالبعث يوم القيامة (فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) أي فيه محصلون ، ولفظة الإحضار لا تستعمل إلّا فيما يكرهه الإنسان ، ومنه حضور الوفاة (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ