إسرافيل يقول : أجيبوا داعي الله ، فيدعو بأمر الله سبحانه ، وقيل ان معناه : أخرجكم من قبوركم بعد ان كنتم أمواتا فيها ، فعبر عن ذلك بالدعاء. وإنما ذكر سبحانه هذه المقدورات على اختلافها ليدلّ عباده على أنه القادر الذي لا يعجزه شيء.
٢٦ ـ ٣٠ ـ (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من العقلاء يملكهم ويملك التصرف فيهم ، وإنما خصّ العقلاء لأن ما عداهم في حكم التبع لهم. ثم أخبر سبحانه عن جميعهم فقال (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) أي كل له مطيعون في الحياة والبقاء والموت والبعث وإن عصوا في العبادة (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) يخلقهم إن شاء ، ويخترعهم ابتداء ، ثم يعيدهم بعد الإفناء ؛ فجعل سبحانه ما ظهر من ابتداء خلقه دليلا على ما خفي من إعادته استدلالا بالشاهد على الغائب. ثم أكّد ذلك بقوله : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) المعنى : والإعادة أهون ؛ وإنما قال : أهون لما تقرّر في العقول : ان إعادة الشيء أهون من ابتدائه ، ومعنى أهون : أيسر وأسهل ، وهم كانوا مقرّين بالإبتداء ؛ فكأنه قال لهم : كيف تقرّون بما هو أصعب عندكم ، وتنكرون ما هو أهون عندكم؟ (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى) أي وله الصفات العليا (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) هي جميع ما يختص به عز اسمه من الصفات العلى التي لا يشاركه فيها سواه ، والأسماء الحسنى التي تفيد التعظيم كالقاهر والإله (وَهُوَ الْعَزِيزُ) في ملكه (الْحَكِيمُ) في خلقه. ثم احتجّ سبحانه على عبدة الأوثان فقال : (ضَرَبَ لَكُمْ) أيها المشركون (مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ) أي بيّن لكم شبها لحاكم ذلك المثل من أنفسكم. ثم بيّنه فقال (هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي من عبيدكم وإمائكم (مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ) من المال والأملاك والنعم أي هل يشاركونكم في أموالكم ، وهو قوله : (فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ) أي فأنتم وشركاؤكم من عبيدكم وإمائكم فيما رزقناكم شرع سواء (تَخافُونَهُمْ) أن يشاركوكم فيما ترثونه من آبائكم (كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) أي كما يخاف الرجل الحرّ شريكه الحرّ في المال يكون بينهما ان ينفرد دونه فيه بأمر ، وكما يخاف الرجل شريكه في الميراث أن يشاركه لأنه يحب أن ينفرد به ، فهو يخاف شريكه ، يعني ان هذه الصفة لا تكون بين المالكين والمملوكين كما تكون بين الأحرار ؛ ومعنى أنفسكم هاهنا أمثالكم من الأحرار كقوله : (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) ، والمعنى : انكم إذا لم ترضوا في عبيدكم أن يكونوا شركاء لكم في أموالكم وأملاككم ، فكيف ترضون لربكم أن يكون له شركاء في العبادة (كَذلِكَ) أي كما ميّزنا لكم هذه الأدلة (نُفَصِّلُ الْآياتِ) أي الأدلة (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) فيتدبرون ذلك (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي أشركوا بالله (أَهْواءَهُمْ) في الشرك (بِغَيْرِ عِلْمٍ) يعلمونه جاءهم من الله (فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ) قيل معناه : من أضلّ عن الله الذي هو خالقه ورازقه والمنعم عليه مع ما نصبه له من الأدلة فمن يهديه بعد ذلك (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) ينصرونهم ويدفعون عنهم عذاب الله تعالى إذا حلّ بهم. ثم خاطب سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم والمراد جميع المكلفين وقال : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ) أي أقم قصدك للدين والمعنى : كن معتقدا للدين (حَنِيفاً) أي مائلا إليه ، ثابتا عليه ، مستقيما فيه ، لا يرجع عنه إلى غيره (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) فطرة الله : الملة ، وهي الدين والإسلام والتوحيد التي خلق الناس عليها ولها وبها ، أي لأجلها والتمسك بها (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) أي لا تغيير لدين الله الذي أمر الناس بالثبات عليه في التوحيد والعدل ، وإخلاص العبادة لله (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) أي ذلك الدين المستقيم الذي يجب اتباعه (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) صحّة ذلك لعدولهم عن النظر فيه.
٣١ ـ ٣٥ ـ (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) أي راجعين إلى كل ما أمر به مع التقوى ، وأداء الفرض وهو قوله : (وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) ثم أخبر سبحانه أنه لا ينفع ذلك إلا بالإخلاص في التوحيد