فقال : (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) أي لا تكونوا من أهل الشرك من جملة الذين فرّقوا دينهم (وَكانُوا شِيَعاً) معناه : الذين أوقعوا في دينهم الإختلاف ، وصاروا ذوي أديان مختلفة ، فصار بعضهم يعبد وثنا ، وبعضهم يعبد نارا ، وبعضهم شمسا إلى غير ذلك ، (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) أي كل أهل ملة بما عندهم من الدين راضون (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ) أي إذا أصابهم مرض أو فقر أو شدّة دعوا الله تعالى (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) أي منقطعين إليه ، مخلصين في الدعاء له (ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً) بأن بعافيهم من المرض ، أو يغنيهم من الفقر ، أو ينجيهم من الشدة (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) أي يعودون إلى عبادة غير الله على خلاف ما يقتضيه العقل من مقابلة النعم بالشكر. ثم بيّن سبحانه أنهم يفعلون ذلك (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) من النعم ، إذ لا غرض في الشرك إلا كفران نعم الله سبحانه. ثم قال سبحانه يخاطبهم مهددا لهم (فَتَمَتَّعُوا) بهذه الدنيا ، وانتفعوا بنعيمها الفاني كيف شئتم (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) عاقبة كفركم (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً) معناه : بل أنزلنا عليهم برهانا وحجة يتسلطون بذلك على ما ذهبوا إليه (فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ) أي فذلك البرهان كأنه يتكلم بصحة شركهم ، ويحتجّ لهم به ، والمعنى : انهم لا يقدرون على تصحيح ذلك ولا يمكنهم ادّعاء برهان وحجة عليه.
٣٦ ـ ٤٠ ـ لمّا تقدّم ذكر المشركين عقّبه سبحانه بذكر أحوالهم في البطر عند النعمة ، واليأس عند الشدة فقال : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً) أي إذا آتيناهم نعمة من عافية وصحة جسم أو سعة رزق أو أمن ودعة (فَرِحُوا بِها) أي سرّوا بتلك الرحمة (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) أي وإن أصابهم بلاء وعقوبة بذنوبهم التي قدّموها ، وسمى ذلك سيّئة توسعا لكونه جزاء على السيئة عن الجبائي وقيل : ان يصبهم قحط وانقطاع مطر وشدة وسميت سيئة لأنها تسوء صاحبها (إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) أي ييأسون من رحمة الله وإنما قال : (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) ولم يقل : بما قدموا على التغليب للأظهر الأكثر ، فإن أكثر العمل لليدين والعمل للقلب وإن كان كثيرا فإنه أخفى. ثم نبّههم سبحانه على توحيده فقال : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ) أي يوسّعه (لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) أي ويضيق لمن يشاء على حسب ما تقتضيه مصالح العباد (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في بسط الرزق لقوم ، وتضييقه لقوم آخرين (لَآياتٍ) أي دلالات (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) بالله. ثم خاطب نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : (فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) أي واعط ذوي قرباك يا محمد حقوقهم التي جعلها الله لهم من الأخماس عن مجاهد والسدي ، وروى أبو سعيد الخدري وغيره أنه لما نزلت هذه الآية على النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أعطى فاطمة عليهالسلام فدكا وسلّمه إليها ، وهو المروي عن أبي جعفر عليهالسلام وأبي عبد الله عليهالسلام وقيل : انه خطاب له صلىاللهعليهوآلهوسلم ولغيره والمراد بالقربى قرابة الرجل ، وهو أمر بصلة الرحم بالمال والنفس ، عن الحسن (وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) معناه : وآت المسكين والمسافر المحتاج ما فرض الله لهم في مالك (ذلِكَ خَيْرٌ) أي إعطاء الحقوق مستحقيها خير (لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) بالإعطاء دون الرياء والسمعة (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي الفائزون بثواب الله (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ) قيل في الربا المذكور في الآية قولان (أحدهما) انه ربا حلال ، وهو أن يعطي الرجل العطية ، أو يهدي الهدية ليثاب أكثر منها ، فليس فيه أجر ولا وزر ، عن ابن عباس وطاووس وهو المروي عن أبي جعفر عليهالسلام (والقول الآخر) انه الربا المحرم ، عن الحسن والجبائي ، فعلى هذا يكون هو كقوله : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ) أي وما أعطيتموه أهله على وجه الزكاة