(تُرِيدُونَ) بذلك (وَجْهَ اللهِ) أي ثواب الله ورضاه ، ولا تطلبون بها المكافأة (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) هم المضعفون للمال في العاجل ، وللثواب في الآجل ، لأن الله سبحانه جعل الزكاة سببا لزيادة المال ، ومنه الحديث : ما نقص مال من صدقة ، ثم عاد إلى دليل التوحيد فقال : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) أي أوجدكم وأنشأ خلقكم (ثُمَّ رَزَقَكُمْ) أي أعطاكم أنواع النعم (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) بعد ذلك ليصح إيصالكم إلى ما عرضكم له من الثواب الدائم (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) ليجازيكم على أفعالكم (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ) التي عبدتموها من دونه (مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ) أو يقدر عليه ، فيجوز لذلك توجه العبادة إليه. ثم نزّه سبحانه نفسه عن أن يشرك معه في العبادة فقال : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ).
٤١ ـ ٤٥ ـ ثم ذكر سبحانه ما أصاب الخلق بسبب ترك التوحيد فقال : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) ومعناه : ظهر قحط المطر ، وقلة النبات في البر حيث لا يجري نهر وهو البوادي ، والبحر وهو كل قرية على شاطىء نهر عظيم (بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) يعني كفار مكة عن ابن عباس وليس المراد بالبر والبحر في الآية كل بر وبحر في الدنيا وإنما المراد به حيث ظهر القحط بدعاء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فعلى هذا يكون التقدير ظهر عقوبة الفساد في البر والبحر قال الفراء : أجدب البر ، وانقطعت مادة البحر بذنوبهم ، وكان ذلك ليذوقوا الشدة في العاجل (بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) أي جزاء بما عمله الناس من الكفر والفسوق وقيل معناه (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) أي ليصيبهم الله بعقوبة بعض أعمالهم التي عملوها من المعاصي (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي ليرجعوا عنها في المستقبل (قُلْ) يا محمد (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) ليس بأمر ولكنه مبالغة في العظة (فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ) من الملوك العاتية ، والقرون العاصية ، كيف أهلكهم الله ، وكيف صارت قصورهم قبورهم ، ومحاضرهم مقابرهم ، فلم يبق لهم عين ولا أثر. ثم بيّن أنه فعل ذلك بهم لسوء صنيعهم فقال (كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) أي استقم للدين المستقيم بصاحبه إلى الجنة ، أي لا تعدل عنه يمينا ولا شمالا فإنك متى فعلت ذلك أدّاك إلى الجنة (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ) أي لذلك اليوم وهو يوم القيامة (مِنَ اللهِ) أي لا يردّه أحد من الله (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) أي يتفرّقون فيه ، فريق في الجنة وفريق في السعير (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) أي عقوبة كفره لا يعاقب أحد بذنبه (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) أي يوطئون لأنفسهم منازلهم يقال : مهدت لنفسي خيرا أي : هيّأته ووطأته. والمعنى : ان ثواب ذلك يصل إليهم ، ويتمهد أحوالهم الحسنة عند الله ، وروى منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : ان العمل الصالح ليسبق صاحبه إلى الجنة فيمهد له كما يمهد لأحدكم خادمه فراشه (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ) أي ليجزيهم على قدر استحقاقهم ويزيدهم من فضله وقيل : من فضله يعني فضلا من فضله وثوابا لا ينقطع (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) أي لا يريد كرامتهم ومنفعتهم ، وإنما يريد عقابهم جزاء على كفرهم.
٤٦ ـ ٥٠ ـ ولمّا وعد الله سبحانه وأوعد فكأن قائلا قال ما أصل ما يجزي الله عليه بالخير فقيل العبادة وأصل عبادة الله معرفته ومعرفته إنما تكون بأفعاله فقال (وَمِنْ آياتِهِ) أي ومن افعاله الدالة على معرفته (أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) بالمطر ، فكأنها ناطقات بالبشارة لما فيها من الدلالة عليه ، وإرسال الرياح : تحريكها وإجراؤها في الجهات المختلفة ، تارة شمالا وتارة جنوبا ، ومرة صبا ، وأخرى دبورا ، على حسب ما يعلم الله في ذلك من المصلحة (وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) أي وليصيبكم من نعمته وهي الغيث وتقديره : أنه يرسل الرياح للبشارة والإذاقة من الرحمة (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ) بها (بِأَمْرِهِ