وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) أي ولتطلبوا بركوب السفن الأرباح وقيل : لتطلبوا بالأمطار فيما تزرعونه من فضل الله (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) نعمة الله. تلطّف سبحانه بلفظ لعلّكم في الدعاء إلى الشكر كما تلطف في الدعاء إلى البرّ بقوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً). ثم خاطب سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم تسلية له في تكذيب قومه إياه فقال (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) يا محمد (رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي بالمعجزات والآيات الباهرات وها هنا حذف تقديره ، فكذّبوهم وجحدوا بآياتنا فاستحقوا العذاب (فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) أي عاقبناهم بتكذيبهم (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) معناه : ودفعنا السوء والعذاب عن المؤمنين ، وكان واجبا علينا نصرهم بإعلاء الحجة ، ودفع الأعداء عنهم إلا أنه دلّ على المحذوف قوله : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) ، وجاءت الرواية عن أم الدرداء أنها قالت : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : ما من امرىء مسلم يردّ عن عرض أخيه إلا كان حقا على الله أن يردّ عنه نار جهنّم يوم القيامة ، ثم قرأ : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ). ثم قال سبحانه مفسرا لما أجمله في الآية المتقدمة (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) أي فتهيج سحابا فتزعجه (فَيَبْسُطُهُ) الله (فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ) إن شاء بسطه مسيرة يوم ، وإن شاء بسطه مسيرة يومين يجريها إلى أيّ جهة شاء ، وإلى أيّ بلد شاء (وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً) أي قطعا متفرقة عن قتادة ، وقيل متراكبا بعضه على بعض حتى يغلظ عن الجبائي وقيل : قطعا تغطي ضوء الشمس عن أبي مسلم (فَتَرَى الْوَدْقَ) أي القطر (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) أي من خلال السحاب (فَإِذا أَصابَ بِهِ) أي بذلك الودق (مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) أي يفرحون ويبشر بعضهم بعضا به (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ) معناه : وانهم كانوا من قبل إنزال المطر عليهم قانطين آيسين من نزول المطر عن قتادة ، وكرّر كلمة من قبل للتوكيد عن الأخفش وقيل : ان الأول من قبل الإنزال للمطر ، والثاني من قبل الإرسال للرياح (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ) حتى أنبتت شجرا ومرعى (بَعْدَ مَوْتِها) أي بعد أن كانت مواتا يابسة ، جعل الله سبحانه اليبس والجدوبة بمنزلة الموت ، وظهور النبات فيها بمنزلة الحياة توسعا (إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى) أي ان الله تعالى يفعل ما ترون ، وهو الله تعالى ليحيي الموتى في الآخرة بعد كونهم رفاتا (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) مرّ بمعناه.
٥١ ـ ٥٥ ـ ثم عاب سبحانه كافر النعمة فقال : (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً) مؤذنة بالهلاك باردة (فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا) أي فرأوا النبت والزرع الذي كان من أثر رحمة الله مصفرا من البرد بعد الخضرة والنضارة وقيل : ان الهاء يعود إلى السحاب ، ومعناه : فرأوا السحاب مصفرا ، لأنه إذا كان كذلك لم يكن فيه مطر (لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ) أي لصاروا من بعد أن كانوا راجين مستبشرين يكفرون بالله وبنعمته ، ولم يرضوا بقضاء الله تعالى فيه ، فعل من جهل صانعه ومدبّره ولا يعلم أنه حكيم لا يفعل إلا الأصلح فيشكر عند النعمة ، ويصبر عند الشدة. ثم قال سبحانه لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ) يا محمد (الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ) شبّه الكفار في ترك تدبّرهم فيما يدعوهم إليه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم تارة بالأموات ، وتارة بالصم لأنّهم لا ينتفعون بدعاء الداعي فكأنّهم لا يسمعونه (إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) أي إذا أعرضوا عن أدلتنا ذاهبين إلى الضلال والفساد ، غير سالكين سبيل الرشاد (وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ) يعني انهم كالعمي لا
__________________
عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : إن القرآن زاجر وآمر ، يأمر بالجنة ، ويزجر عن النار. أصول الكافي : ٢ / ٥٧٥.