(إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) أي لا يخفى عليه شيء من أعمالكم فيجازيكم بحسبها إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشر (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) أي فوّض أمورك إلى الله حتى لا تخاف غيره ، ولا ترجو إلّا خيره (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) أي قائما بتدبيرك ، حافظا لك ، ودافعا عنك (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) فإن أمر الرجل الواحد لا ينتظم ومعه قلبان ، فكيف تنتظم أمور العالم وله إلهان معبودان؟ (وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ) يقال : ظاهر من امرأته وتظهر وهو أن يقول لها : أنت عليّ كظهر أمي ، وكانت العرب تطلق نساءها في الجاهلية بهذا اللفظ ، فلما جاء الإسلام نهوا عنه وأوجبت الكفارة على من ظاهر من امرأته وسنذكره في سورة المجادلة (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) الأدعياء جمع الدعي وهو الذي يتبنّاه الإنسان. بيّن سبحانه أنه ليس بابن على الحقيقة ، ونزلت في زيد بن حارثة ، تبنّاه النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل الوحي ، وكان قد وقع عليه السبي ، فاشتراه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بسوق عكاظ فلما نبىء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دعاه إلى الإسلام فأسلم ، فقدم أبوه حارثة مكة وأتى أبا طالب وقال : سل ابن أخيك فإما أن يبيعه وإما أن يعتقه ، فلما قال ذلك أبو طالب لرسول الله قال : هو حرّ فليذهب حيث شاء ، فأبى زيد أن يفارق رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال حارثة : يا معشر قريش اشهدوا أنه ليس ابني ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : اشهدوا أنه ابني ـ يعني زيدا ـ فكان يدعى زيد بن محمد (ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ) أي ان قولكم : الدعي ابن الرجل شيء تقولونه بألسنتكم لا حقيقة له عند الله تعالى (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَ) الذي يلزم اعتقاده وله حقيقة ، وهو ان الزوجة لا تصير بالظهار أما ، والدعي لا يصير بالتبني ابنا (وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) أي يرشد إلى طريق الحق ويدل عليه (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) الذين ولدوهم وانسبوهم إليهم (هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ) أي أعدل عند الله قولا وحكما (فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ) أي لم تعرفوا بأعيانهم (فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) أي فهم إخوانكم في الملة فقولوا : يا أخي (وَمَوالِيكُمْ) أي بنو أعمامكم (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) أي ليس عليكم حرج في نسبته إلى المتبني إذا ظننتم أنه أبوه ولم تعلموا أنه ليس بابن له ، فلا يؤاخذكم الله به (وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) أي ولكن الإثم والجناح فيما تعمّدت قلوبكم ، يعني في الذين تعمدته قلوبكم وقصدتموه من دعائهم إلى غير آبائهم فإنكم تؤاخذون به (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لما سلف من قولكم (رَحِيماً) بكم.
٦ ـ ١٠ ـ (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أي هو أولى بهم منهم بأنفسهم ، انه أحقّ بتدبيرهم ، وحكمه أنفذ عليهم من حكمهم على أنفسهم خلاف ما يحكم به ، لوجوب طاعته التي هي مقرونة بطاعة الله تعالى (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) المعنى انهن للمؤمنين كالأمهات في الحرمة وتحريم النكاح ، ولسن أمّهات لهم على الحقيقة (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ) وهو مفسّر في آخر الأنفال ؛ (وَأُولُوا الْأَرْحامِ) : هم ذوو الأنساب. لما ذكر سبحانه أن أزواج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أمهات المؤمنين عقّبه بهذا وبيّن أنه لا توارث إلا بالولادة والرحم ، والمعنى : ان ذوي القرابات بعضهم أولى بميراث بعض من المؤمنين (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً) ومعناه : لكن إن فعلتم إلى أوليائكم المؤمنين وحلفائكم ما يعرف حسنه وثوابه فهو حسن
__________________
قال الإمام علي بن الحسين عليهماالسلام : آيات القرآن خزائن ، فكلما فتحت خزينة ينبغي لك أن تنظر ما فيها. أصول الكافي : ٢ / ٢٠٩.