قال السدي : عنى بذلك وصية الرجل لإخوانه في الدين (كانَ ذلِكَ) أي نسخ الميراث بالهجرة وردّه إلى أولي الأرحام من القرابات (فِي الْكِتابِ) أي في اللوح المحفوظ (مَسْطُوراً) أي مكتوبا (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ) أي واذكر يا محمد حين أخذ الله الميثاق على النّبيين خصوصا بأن يصدّق بعضهم بعضا ، ويتبع بعضهم بعضا (وَمِنْكَ) يا محمد (وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) خصّ هؤلاء بالذكر لأنهم أصحاب الشرائع (وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) أي عهدا شديدا على الوفاء بما حملوا من أعباء الرسالة ، وتبليغ الشرائع. ثم بيّن سبحانه الفائدة في أخذ الميثاق ، فقال : (لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) قيل معناه : إنما فعل ذلك ليسأل الأنبياء المرسلين ما الذي جاءت به أممكم. ثم قال سبحانه (وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً) أي مؤلما. ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) ذكّرهم سبحانه عظيم نعمته عليهم في دفع الأحزاب عنهم (إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) وهم الّذين تحزّبوا على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أيام الخندق (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً) وهي الصبا أرسلت عليهم حتى أكفأت قدورهم ، ونزعت فساطيطهم (وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) ان الملائكة لم يقاتلوا يومئذ ولكن كانوا يشجّعون المؤمنين ، ويجبنون الكافرين (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً). وجّه الخطاب إلى المؤمنين. ثم قال (إِذْ جاؤُكُمْ) أي واذكروا حين جاءكم جنود المشركين (مِنْ فَوْقِكُمْ) أي من فوق الوادي قبل المشرق قريظة والنضير وغطفان (وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) أي من قبل المغرب من ناحية مكة أبو سفيان في قريش ومن تبعه (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ) معناه. عدلت الأبصار عن مقرّها من الدهش والحيرة كما يكون الجبان فلا يعلم ما يبصر (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) والحنجرة : جوف الحلقوم ، أي شخصت القلوب من مكانها فلولا أنه ضاق الحلقوم عنها أن تخرج لخرجت عن قتادة. قال أبو سعيد الخدري : قلنا يوم الخندق : يا رسول الله هل من شيء نقوله قد بلغت القلوب الحناجر؟ فقال : قولوا : اللهم استر عوراتنا. وآمن روعاتنا. قال : فقلناها فضرب وجوه أعداء الله بالريح فهزموا قال الفراء : المعنى في قوله بلغت القلوب الحناجر : انهم جبنوا وجزع أكثرهم ، وسبيل الجبان إذا اشتدّ خوفه أن ينتفخ سحره ، والسحر : الرئة ، فإذا انتفخت الرئة رفعت القلوب إلى الحنجرة (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) أي اختلفت الظنون ، فظنّ بعضكم بالله النصر ، وبعضكم أيس وقنط وقيل. تظنون ظنونا مختلفة ، فظنّ المنافقون أنه يستأصل محمد ، وظن المؤمنون أنه ينصر ، عن الحسن ، وقيل : إن من كان ضعيف القلب والإيمان ظنّ ما ظنّه المنافقون إلّا أنه لم يرد ذلك.
١١ ـ ٢٠ لما وصف سبحانه شدة الأمر يوم الخندق قال (هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ) أي اختبروا وامتحنوا ليظهر لك حسن إيمانهم وصبرهم على ما أمرهم الله به من جهاد أعدائه ، فظهر من كان ثابتا قويا في الإيمان ، ومن كان ضعيفا فيه (وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً) أي حرّكوا بالخوف تحريكا شديدا ، وازعجوا ازعاجا عظيما ، وذلك أن الخائف يكون فلقا مضطربا لا يستقر على مكانه (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي شكّ (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) قال ابن عباس : إن المنافقين قالوا : يعدنا محمد أن يفتح مدائن كسرى وقيصر ، ونحن لا نأمن أن نذهب إلى الخلاء ، هذا والله الغرور (وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ) يعني عبد الله بن أبي وأصحابه (يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) أي لا إقامة لكم هاهنا فارجعوا إلى منازلكم بالمدينة ، وأرادوا الهرب من عسكر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَ) في الرجوع إلى المدينة ، وهم