قبل توبتهم واسقط عقابهم ، وإن شاء لم يقبل توبتهم وعذّبهم فإن اسقاط العذاب على المذهب الصحيح بالتوبة تفضل من الله تعالى لا يجب عقلا وإنما علمنا ذلك بالسمع والإجماع على أن الله سبحانه يفعل ذلك ، فالآية قاضية بما يقتضيه العقل من الحكم ويؤكّد ذلك قوله (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) لأن المدح إنما يحصل إذا رحم سبحانه من يستحق العقاب ، ويغفر ما جاز له المؤاخذة به ، ولا مدح في مغفرة ورحمة من يجب عليه غفرانه ورحمته وقيل معناه : ويعذّب المنافقين بعذاب عاجل في الدنيا إن شاء أو يتوبوا ، عن الجبائي. ثم عاد سبحانه إلى تعداد نعمه فقال (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني الأحزاب أبا سفيان وجنوده ، وغطفان ومن معهم من قبائل العرب (بِغَيْظِهِمْ) أي بغمّهم الذي جاءوا به وحنقهم ، لم يشفوا بنيل ما أرادوا (لَمْ يَنالُوا خَيْراً) أملوه وأرادوه من الظفر بالنبي والمؤمنين ، وإنما سمّاه خيرا لأن ذلك كان خيرا عندهم وقيل : أراد بالخير المال كما في قوله : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) أي مباشرة القتال بما أنزل الله على المشركين من الريح الشديدة الباردة التي أزعجتهم عن أماكنهم ، وبما أرسل من الملائكة ، وبما قذف في قلوبهم من الرعب بعليّ بن أبي طالب عليهالسلام وقتله عمرو بن عبد ود ، وكان ذلك سبب هزيمة القوم عن عبد الله بن مسعود وهو المروي عن أبي عبد الله عليهالسلام (وَكانَ اللهُ قَوِيًّا) أي قادرا على ما يشاء (عَزِيزاً) لا يمتنع عليه شيء من الأشياء وقيل : قويّا في ملكه وسلطانه عزيزا في قهره وانتقامه.
٢٦ ـ ٢٧ ثم ذكر سبحانه ما فعل باليهود من بني قريظة فقال (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ) أي عاونوا المشركين من الأحزاب ، ونقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن لا ينصروا عليه عدوّا (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) يعني من اليهود. واتفق المفسرون على انهم بنو قريظة (مِنْ صَياصِيهِمْ) أي من حصونهم (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) أي ألقى في قلوبهم الخوف من النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه المؤمنين (فَرِيقاً تَقْتُلُونَ) منهم يعني الرجال (وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً) يعني الذراري والنساء (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ) أي وأعطاكم أرضهم (وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها) أي وأورثكم أرضا لم تطؤوها بأقدامكم بعد ، وسيفتحها الله عليكم وهي خيبر ، فتحها الله عليهم بعد بني قريظة ، عن ابن زيد ويزيد بن رومان (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) ظاهر المعنى.
٢٨ ـ ٣١ ثم عاد سبحانه إلى ذكر نساء النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال مخاطبا لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم آمرا له أن يخيّر أزواجه فقال (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) أي سعة العيش في الدنيا ، وكثرة المال (فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَ) أي اعطكن متعة الطلاق وقد مرّ بيانها في سورة البقرة (وَأُسَرِّحْكُنَ) أي أطلقكن (سَراحاً جَمِيلاً) والسراح الجميل : الطلاق من غير خصومة ولا مشاجرة بين الزوجين (وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ) أي وإن اردتن طاعة الله وطاعة رسوله ، والصبر على ضيق العيش والجنة (فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ) أي العارفات المريدات الإحسان المطيعات له (مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) خيرهنّ بين الطلاق والمقام معه (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) أي بمعصية ظاهرة (يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ) في الآخرة
__________________
قال أبو عبد الله (ع): كان في وصيّة أمير المؤمنين (ع) أصحابه اعلموا أنّ القرآن هدى النهار ، ونور الليل المظلم على ما كان من جهد وفاقة. أصول الكافي : ٢ / ٥٧٤.