(ضِعْفَيْنِ) أي مثلي ما يكون على غيرهنّ ، وذلك لأن نعم الله سبحانه عليهن أكثر لمكان النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم منهن ، ولنزول الوحي في بيوتهن ، فإذا كانت النعمة عليهن أعظم وأوفر كانت المعصية منهن أفحش (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) أي كان عذابها على الله هيّنا (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) أي ومن يطع الله ورسوله ، والقنوت الطاعة (وَتَعْمَلْ صالِحاً) فيما بينهما وبين ربّها (نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ) أي نؤتها ثوابها مثلي ثواب غيرها (وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً) عظيم القدر.
٣٢ ـ ٣٥ (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) لم يقل كواحدة من النساء لأن أحدا للنفي العام وقال ابن عباس معناه : ليس قدركنّ عندي كقدر غيركنّ من النساء الصالحات ، أنتن أكرم عليّ فأنا بكنّ أرحم ، وثوابكنّ أعظم لمكانكنّ من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (إِنِ اتَّقَيْتُنَ) الله شرط عليهن التقوى ليبينّ سبحانه أن فضيلتهن بالتقوى لا باتصالهن بالنّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) أي لا ترققن القول ولا تلنّ الكلام للرجال ، ولا تخاطبن الأجانب مخاطبة تؤدّي إلى طمعهن فيكن كما تفعل المرأة التي تظهر الرغبة في الرجال (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) أي نفاق وفجور (وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) أي مستقيما جميلا بريئا من التهمة ، بعيدا من الريبة ، موافقا للدين والإسلام (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ) أمرهنّ بالاستقرار في بيوتهن ، والمعنى : اثبتن في منازلكن والزمنها (وَ) (لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) أي لا تخرجن على عادة النساء اللاتي في الجاهلية ، ولا تظهرن زينتكنّ كما كنّ يظهرن ذلك ، والمراد بالجاهلية الأولى ما كان قبل الإسلام (وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ) أي أدّينها في أوقاتها بشرائطها (وَآتِينَ الزَّكاةَ) المفروضة في أموالكن (وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ) فيما يأمرانكنّ به ، وينهانكنّ عنه. ثم قال عزوجل (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) قال ابن عباس : الرجس : عمل الشيطان وما ليس لله فيه رضى ، والبيت : التعريف فيه للعهد والمراد به بيت النبوة والرسالة ، والعرب تسمي ما يلتجأ إليه بيتا ولهذا سمّوا الانساب بيوتا وقالوا : بيوتات العرب يريدون النسب. وقد اتفقت الأمة بأجمعها على أن المراد بأهل البيت في الآية أهل بيت نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقال أبو سعيد الخدري ، وأنس بن مالك ، وواثلة بن الأسقع ، وعائشة ، وأم سلمة : إن الآية مختصة برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام ، وروى الثعلبي في تفسيره أيضا بالإسناد عن أم سلمة : ان النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان في بيتها فأتته فاطمة عليهاالسلام ببرمة فيها حريرة فقال : لها ادعي زوجك وابنيك ـ فذكرت الحديث نحو ذلك ـ ثم قالت : فأنزل الله تعالى (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية قالت : فأخذ فضل الكساء فغشّاهم به ثم أخرج يده فألوى يده بها إلى السماء ثم قال : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي وحامتي فاذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، والروايات في هذا كثيرة من طرق العامة والخاصة ، ولو قصدنا إلى إيرادها لطال الكتاب (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ) معناه : واشكرن الله تعالى إذ صيّركن في بيوت يتلى فيها القرآن والسنة (إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً) بأوليائه (خَبِيراً) بجميع خلقه (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) أي المخلصين الطاعة لله والمخلصات (وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) أي والمصدقين بالتوحيد والمصدقات ؛ فالإسلام : الاقرار باللسان ، والإيمان : التصديق بالقلب ، ويعضده قوله : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ) يعني الدائمين على الأعمال الصالحات والدائمات (وَالصَّادِقِينَ) في إيمانهم وفيما ساءهم وسرّهم (وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ) على طاعة الله وعلى ما ابتلاهم الله