به (وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ) أي المتواضعين الخاضعين لله تعالى (وَالْخاشِعاتِ) وقيل معناه : والخائفين والخائفات (وَالْمُتَصَدِّقِينَ) أي المخرجين الصدقات والزكوات (وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ) لله تعالى بنيّة صادقة (وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ) من الزنا وارتكاب الفجور (وَالْحافِظاتِ) فروجهن (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ) الله كثيرا (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ) أي لهؤلاء الموصوفين بهذه الصفات والخصال (مَغْفِرَةً) لذنوبهم (وَأَجْراً عَظِيماً) في الآخرة. روى أبو سعيد الخدري عن النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فتوضّئا وصليا كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات ، وقال مجاهد : لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيرا حتى يذكر الله قائما وقاعدا ومضطجعا ، وروي عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قال : من بات على تسبيح فاطمة عليهاالسلام كان من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات.
٣٦ ـ ٤٠ لمّا تقدّم ذكر نساء النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عقّبه سبحانه بذكر زيد وزوجته فقال (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ) أي إذا أوجب الله ورسوله (أَمْراً) والزماه وحكما به (أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) أي الاختيار (مِنْ أَمْرِهِمْ) على اختيار الله تعالى والمعنى : ان كل شيء أمر الله تعالى به أو حكم به فليس لأحد مخالفته وترك ما أمر به إلى غيره (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) فيما يختاران له (فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) أي ذهب عن الحق ذهابا ظاهرا. ثم خاطب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال (وَإِذْ تَقُولُ) أي واذكر يا محمد حين تقول (لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) بالهداية إلى الإيمان (وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) بالعتق ، وهو زيد بن حارثة (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) يعني زوجك زينب تقول : احبسها ولا تطلقها وهذا الكلام يقتضي مشاجرة جرت بينهما حتى وعظه الرسول وقال له : امسكها (وَاتَّقِ اللهَ) في مفارقتها ومضارتها (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) ان الذي أخفاه في نفسه هو ان الله سبحانه أعلمه انها ستكون من أزواجه ، وأن زيدا سيطلّقها ، فلما جاء زيد وقال له : أريد أن أطلق زينب ، قال له : امسك عليك زوجك وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك؟ ولم يرد بقوله والله أحق أن تخشاه خشية التقوى لأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يتّقي الله حق تقاته ، ويخشاه فيما يجب أن يخشى فيه ، ولكنه أراد خشية الاستحياء ، لأن الحياء كان غالبا على شيمته الكريمة صلىاللهعليهوآلهوسلم كما قال سبحانه : (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ) وقيل : ان زينب كانت شريفة فزوّجها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من زيد مولاه ولحقها بذلك بعض العار ، فأراد صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يزيدها شرفا بأن يتزوجها لأنه كان السبب في تزويجها من زيد ، فعزم أن يتزوج بها إذا فارقها. وقيل : ان العرب كانوا ينزلون الأدعياء منزلة الأبناء في الحكم ، فأراد صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يبطل ذلك بالكلية ، وينسخ سنة الجاهلية (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً) ومعناه : فلما قضى زيد حاجته من نكاحها فطلّقها وانقضت عدّتها ، ولم يكن في قلبه ميل إليها ولا وحشة من فراقها ، زوجناكها ، أي أذنا لك في تزويجها ، وإنما فعلنا ذلك توسعة على المؤمنين حتى لا يكون عليهم إثم في أن يتزوّجوا أزواج ادعيائهم الذين تبنّوهم إذا قضى الأدعياء منهن حاجتهم وفارقوهن ؛ فبيّن سبحانه أن الغرض في ذلك أن لا يجري المتبنى في تحريم امرأته إذا طلّقها على المتبني مجرى الإبن من النسب والرضاع في تحريم امرأته إذا طلقها على الأب (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) أي كائنا لا محالة. وفي الحديث : ان زينب كانت تفتخر