طالوت لطوله وكانت النبوة في سبط لاوي بن يعقوب ، وكانت المملكة في سبط يهوذا بن يعقوب وقوله : ملكا يعني أميرا على الجيش (قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا) أي من أين له الملك؟ وهذا أول إعتراضهم إذ أنكروا ملكه (وَنَحْنُ أَحَقُ) أي أولى (بِالْمُلْكِ مِنْهُ) لأنا من سبط النبوة والمملكة وأوتينا المال (وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ) معناه : ولم يؤت سعة من المال فيشرف به ، فاعلمهم الله أنه أعرف بوجوه الحكمة منهم ، فإن المقصود في الملك والرئاسة هو العلم والشجاعة ، وأخبرهم بذلك عن لسان نبيهم (قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ) أي إختاره (عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً) أي فضيلة وسعة (فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) وكان أعلم بني إسرائيل في وقته ، وأجملهم ، وأتمهم وأعظمهم جسما ، وأقواهم شجاعة (وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ) أي لا تنكروا ملكه وإن لم يكن من أهل بيت الملك فإن الله سبحانه مالك الملك يؤتي الملك من يشاء (وَاللهُ واسِعٌ) أي يوسّع على من يشاء من نعمه وقوله : (عَلِيمٌ) أي عليم بمن ينبغي أن يؤتيه الفضل والمملكة ، وفي هذه الآية دلالة على أن الملك قد يضاف إليه سبحانه وذلك بأن ينصب الملك للتدبير ، ويأمر الخلق بالإنقياد له.
٢٤٨ ـ (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ) أي علامة تمليك الله إياه ، وحجة صحة ملكه (أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ) وفي هذا دليل على أنهم قالوا لرسولهم : إن كان ملكه بأمر من الله ومن عنده فأتنا بعلامة تدل على ذلك ، فأجابهم بهذا (فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) في التابوت نفسه كان فيه آية يسكنون إليها (وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ) قيل : إنها عصا موسى ، ورضاض الألواح ، أراد بآل موسى وآل هارون موسى وهارون (تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) حملته الملائكة بين السماء والأرض حتى رآه بنو إسرائيل عيانا (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ) أي في رجوع التابوت إليكم علامة أن الله سبحانه ملك طالوت عليكم (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) مصدقين ولا يجوز أن يكون على تثبيت الإيمان لهم لأنهم كفروا حين ردّوا على نبيهم.
٢٤٩ ـ (فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ) أي خرج من مكانه وقطع الطريق بالجنود ، أي العساكر وكانوا ثمانين ألف مقاتل ، وذلك أنهم لما رأوا التابوت أيقنوا بالنصر فبادروا إلى الجهاد (قالَ) يعني طالوت (إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ) أي مختبركم وممتحنكم ، ومعنى الإبتلاء ها هنا تمييز الصادق عن الكاذب (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ) الهاء كناية عن النهر (فَلَيْسَ مِنِّي) معناه : ليس من أهل ولايتي ، وليس من أصحابي وممن يتبعني (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ) أي ومن لم يطعم من ذلك الماء (فَإِنَّهُ مِنِّي) أي من أهل ولايتي وأوليائي (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) إلا من أخذ الماء مرة واحدة باليد (فَشَرِبُوا مِنْهُ) أي شربوا كلهم أكثر من غرفة إلّا قليلا منهم قيل : إن الذين شربوا منه غرفة كانوا ثلاث مائة وبضعة عشر رجلا وقيل : من استكثر من ذلك الماء عطش ، ومن لم يشرب إلّا غرفة روي وذهب عطشه (فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) معناه : فلما تخطى النهر طالوت والمؤمنون معه وهم أصحابه وقيل : بل جاوز المؤمنون والكافرون إلا أن الكافرين انعزلوا وبقي المؤمنون (قالُوا) أي قال الكفار منهم (لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ) فقال المؤمنون حينئذ الذين عددهم عدة أهل بدر : كم من فئة قليلة الخ (قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ) أي راجعون إلى الله وإلى جزائه بالقتل في تلك الوقعة (كَمْ مِنْ فِئَةٍ) أي فرقة (قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً) أي قهرت فرقة كثيرة (بِإِذْنِ اللهِ) أي بنصره (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) بالنصرة لهم على أعدائهم.
٢٥٠ ـ (وَلَمَّا بَرَزُوا) أي ظهر طالوت والمؤمنون معه