لمحاربة (لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً) أي أصبب علينا صبرا ، أي وفقنا للصبر على الجهاد وشبهه بتفريغ الإناء من جهة أنّه نهاية ما توجبه الحكمة ، كما أنه نهاية ما في الواحد من الآنية (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) أي وفقنا للثبوت على الأمر (وَانْصُرْنا) أعنّا (عَلَى) جهاد (الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) قوم جالوت.
٢٥١ ـ ثم ذكر سبحانه تمام القصة فقال : (فَهَزَمُوهُمْ) أي دفعوهم وكسروهم وهزموهم (بِإِذْنِ اللهِ) أي بأمر الله (وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ) رمى جالوت في جبهته ووصلت إلى دماغه ووقع إلى الأرض ميّتا ، وأصاب جماعة كثيرة من أهل عسكره فقتلهم ، وانهزم القوم عن آخرهم (وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) أي واعطاه الملك (وَالْحِكْمَةَ) النبوة ، فجمع الله له الملك والنبوة عند موت طالوت في حالة واحدة ، لأنه لا يجوز أن يترأس من ليس بنبيّ لأنه قلب ما توجبه الحكمة (وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ) معناه : علمه أمور الدين وما شاء من أمور الدنيا منها : صفة الدروع ، فإنه كان يلين له الحديد كالشمع (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) معناه : يدفع الله بالبر عن الفاجر الهلاك وعن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله (ص) إن الله يصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله ولا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم. (وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ) أي ذو نعمة عليهم في دينهم ودنياهم.
٢٥٢ ـ (تِلْكَ) إشارة إلى ما تقدم ذكره من إماتة ألوف من الناس دفعة واحدة وإحيائهم دفعة واحدة بدعاء نبيهم ، ومن تمليك طالوت وهو من أهل الخمول الذي لا ينقاد لمثله الناس لما جعل الله له من الآية علما على تمليكه ، ونصرة أصحاب طالوت مع قلة عددهم وضعفهم على جالوت وأصحابه مع قوتهم وشوكتهم (آياتُ اللهِ) أي دلالات الله على قدرته (نَتْلُوها عَلَيْكَ) نقرؤها عليك يا محمد (بِالْحَقِ) بالصدق (وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) معناه : وإنك لمن المرسلين بدلالة إخبارك بهذه الآيات مع أنك لم تشاهدها ، ولم تخالط أهلها ولا تعلم ذلك.
٢٥٣ ـ (تِلْكَ) بمعنى أولئك (الرُّسُلُ) أي أولئك الذين تقدم ذكرهم من الأنبياء في الكتاب (فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) إنما ذكر الله تفضيل بعض الرسل على بعض لأمور (أحدها) لأن لا يغلط غالط فيسوي بينهم في الفضل كما استووا في الرسالة (وثانيها) أن يبين أن تفضيل محمد عليهم كتفضيل من مضى من الأنبياء بعضهم على بعض (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) أي كلمه الله وهو موسى (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) قال مجاهد : أراد به محمدا (ص) فإنه تعالى فضله على جميع أنبيائه بأن بعثه إلى جميع المكلفين من الجن والإنس ، وبأن أعطاه جميع الآيات التي أعطاها من قبله من الأنبياء ، وبأن خصه بالقرآن الذي لم يعطه غيره وهو المعجزة القائمة إلى يوم القيامة بخلاف سائر المعجزات فإنها قد مضت وانقضت (وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ) أي الدلالات : كإبراء الأكمه ، والأبرص ، وإحياء الموتى ، والإخبار عما كانوا يأكلونه ويدخرونه في بيوتهم (وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) قد مر تفسيره في الآية الخامسة والثمانين من هذه السورة (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي من بعد الرسول معناه : ولو شاء الله لم يقتتل الذين من بعد الأنبياء بأن يلجئهم إلى الإيمان ، ويمنعهم عن الكفر إلّا انه لم يلجئهم إلى ذلك لأن التكليف لا يحسن مع الضرورة والإلجاء (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) من بعد وضوح الحجة ، فإن المقصد من بعثة الرسل قد حصل بإيمان من آمن قبل القتال (وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ)