بتوفيق الله ولطفه ، وحسن إختياره (وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) بسوء اختياره (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا) كرر ذلك تأكيدا أي لو شاء الله اضطرهم إلى حال يرتفع معها التكليف (وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) ما تقتضيه المصلحة ، وتوجبه الحكمة.
٢٥٤ ـ لمّا قصّ الله سبحانه أخبار الأمم السابقة ، وثبّت رسالة نبينا (ص) عقّبه بالحثّ على الطاعة فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي صدقوا محمدا (ص) فيما جاء به (أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ) أراد به الفرض كالزكاة ونحوها دون النفل ، لاقتران الوعيد به (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ) أي يوم القيامة (لا بَيْعٌ فِيهِ) أي لا تجارة (وَلا خُلَّةٌ) أي ولا صداقة ، لأن شغله بنفسه يمنع من صداقة غيره (وَلا شَفاعَةٌ) أي لغير المؤمنين مطلقا ، فأما المؤمنون فقد يشفع بعضهم لبعض ، ويشفع لهم أنبياؤهم كما قال سبحانه : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) إنما ذم الله الكافر بالظلم وإن كان الكفر أعظم منه لأن الكافر ضرّ نفسه بالخلود في النار فقد ظلم نفسه.
٢٥٥ ـ لما قدم سبحانه ذكر الأمم واختلافهم على أنبيائهم في التوحيد وغيره عقّبه بذكر التوحيد فقال : (اللهُ) أي من يحق له العبادة لقدرته على أصول النعم (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي لا أحد تحق له العبادة ويستحق الإلهية غيره (الْحَيُ) قد ذكرنا معناه (الْقَيُّومُ) القائم بتدبير خلقه من إنشائهم ابتداء ، وإيصال أرزاقهم إليهم (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ) أي نعاس (وَلا نَوْمٌ) معناه : لا يغفل عن الخلق ولا يسهو كما يقال للغافل : أنت نائم ، وأنت وسنان (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) معناه : له ملك ما فيهما ، وله التصرف فيهما (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) هو إستفهام معناه الإنكار والنفي ، أي لا يشفع يوم القيامة أحد لأحد إلّا بإذنه وأمره (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) معناه : يعلم ما بين أيديهم : ما مضى من الدنيا ، وما خلفهم : من الآخرة (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) معناه : من معلومه كما يقال : اللهم اغفر لنا علمك فينا ، أي معلومك فينا ، والإحاطة بالشيء علما : أن يعلمه كما هو على الحقيقة (إِلَّا بِما شاءَ) يعني ما شاء أن يعلمهم ويطلعهم عليه (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) وسع علمه السماوات والأرض (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) أي لا يشق على الله ولا يثقله حفظ السماوات والأرض (وَهُوَ الْعَلِيُ) هو من العلو الذي هو بمعنى القدرة ، والسلطان ، والملك ، وعلو الشأن ، والقهر ، والإعتلاء ، والجلال ، والكبرياء (الْعَظِيمُ) أي العظيم الشأن ، القادر الذي لا يعجزه شيء ، والعالم الذي لا يخفى عليه شيء ، لا نهاية لمقدوراته ، ولا غاية لمعلوماته.
٢٥٦ ـ لما تقدم ذكر إختلاف الأمم ، وانه لو شاء الله لأكرههم على الدين ، ثم بين تعالى دين الحق والتوحيد عقبه بأن الحق قد ظهر ، والعبد قد خيّر فلا إكراه بقوله : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) المراد : ليس في الدين إكراه من الله ولكن العبد مخير فيه (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) قد ظهر الإيمان من الكفر ، والحق من الباطل ، بكثرة الحجج والآيات الدالة عقلا وسمعا ، والمعجزات التي ظهرت على يد النبي (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) انه الشيطان (وَيُؤْمِنْ بِاللهِ) أي يصدّق بالله وبما جاءت به رسله (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ) أي تمسك واعتصم (بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) أي بالعصمة الوثيقة ، وعقد لنفسه من الدين عقدا وثيقا لا يحله شبهة (لَا انْفِصامَ لَها) أي لا انقطاع لها ، يعني كما لا ينقطع أمر من تمسك بالعروة كذلك لا ينقطع أمر من تمسك بالإيمان (وَاللهُ سَمِيعٌ) لأقوالكم (عَلِيمٌ) بضمائركم.
٢٥٧ ـ لمّا ذكر سبحانه المؤمن والكافر بيّن ولي كل واحد