منهما فقال : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) أي نصيرهم ومعينهم في كل ما بهم إليه الحاجة ، وما فيه لهم الصلاح من أمور دينهم ودنياهم وآخرتهم (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) أي من ظلمات الضلالة والكفر إلى نور الهدى والإيمان ، لأن الضلال والكفر في المنع من إدراك الحق كالظلمة في المنع من إدراك المبصرات (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) أي متولي أمورهم وأنصارهم الطاغوت ، والمراد به الشيطان (يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) أي من نور الإيمان والطاعة والهدى ، إلى ظلمات الكفر والمعصية والضلال (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) إلى آخره قد مضى تفسيره.
٢٥٨ ـ لما بيّن تعالى أنه ولي المؤمنين ، وأن الكفار لا وليّ لهم سوى الطاغوت تسلية لنبيه (ص) ، قصّ عليه بعده قصة إبراهيم ونمرود فقال : (أَلَمْ تَرَ) يا محمد ، أي ألم ينته علمك ورؤيتك (إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ) أي هل رأيت كالذي حاج ، أي خاصم وجادل إبراهيم ، وهو نمرود بن كنعان ، وهو أول من تجبّر وادعى الربوبية (فِي رَبِّهِ) أي في رب إبراهيم الذي يدعو إلى توحيده وعبادته (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) أي أعطاه الله الملك ، وهو نعيم الدنيا ، وسعة المال (إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) قال له نمرود : من ربّك؟ فقال : ربي الذي يحيي ويميت ، بدأ بذكر الحياة لأنها أول نعمة ينعم الله بها على خلقه ثم يميتهم وهذا أيضا لا يقدر عليه إلّا الله تعالى ، لأن الإماتة هي أن يخرج الروح من بدن الحي من غير جرح ، ولا نقص بنية ، ولا احداث فعل يتصل بالبدن من جهته ، وهذا خارج عن قدرة البشر (قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) أي فقال نمرود : أنا أحيي بالتخلية من الحبس من وجب عليه القتل ، وأميت بالقتل من شئت ممن هو حيّ ، وهذا جهل من الكافر لأنه إعتمد في المعارضة على العبارة فقط دون المعنى ، عادلا عن وجه الحجة بفعل الحياة للميت ، أو الموت للحي على سبيل الإختراع الذي ينفرد به تعالى ، ولا يقدر عليه سواه (قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ) : إنّ إبراهيم إنما قال ذلك ليبين أن من شأن من يقدر على إحياء الأموات ، وإماتة الأحياء ، أن يقدر على إتيان الشمس من المشرق ، فإن كنت قادرا على ذلك فأت بها من المغرب (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) أي تحير بما بان من ظهور الحجة (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) بالمعونة على بلوغ البغية من الفساد.
٢٥٩ ـ (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ) أي أو هل رأيت كالذي مرّ ومعناه : إن شئت فانظر في قصة الذي حاج إبراهيم ، وإن شئت فانظر إلى قصة الذي مرّ (عَلى قَرْيَةٍ) وهو عزيز ، والقرية التي مر عليها هو بيت المقدس لما خربه بخت نصر (وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) ساقطة على أبنيتها وسقوفها (قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) أي كيف يعمر الله هذه القرية بعد خرابها ، ولم يقل ذلك إنكارا ولا تعجبا ولا إرتيابا ولكنه أحب أن يريه الله إحياءها مشاهدة كما يقول الواحد منا : كيف يكون حال الناس يوم القيامة (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ) أي مائة سنة (ثُمَّ بَعَثَهُ) أي أحياه كما كان (قالَ كَمْ لَبِثْتَ) يعني في مبيتك ومنامك وقيل : إن القائل له نبي ، وقيل : ملك (قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) لأن الله أماته في أول النهار ، وأحياه بعد مائة سنة في آخر النهار ، فقال : يوما ، ثم التفت فرأى بقية من الشمس فقال : أو بعض يوم فقال : (بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ) معناه : بل مكثت في مكانك مائة سنة (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) أي لم تغيّره السنون (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ) معناه : انظر إليه كيف تفرق اجزاؤه وتبدّد عظامه ، ثم انظر كيف يحييه الله ، وإنما قال له ذلك ليستدل بذلك على طول مماته (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً