لِلنَّاسِ) أي حجة للناس في البعث (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها) كيف نحييها (ثُمَّ نَكْسُوها) أي نلبسها (لَحْماً) أراد عظامه ، قالوا : أول ما أحيا الله منه عينه وهو مثل غرقيء البيض ، فجعل ينظر إلى العظام البالية المتفرقة تجتمع إليه وإلى اللحم الذي قد أكلته السباع الذي يأتلف إلى العظام من ها هنا ومن ها هنا ، ويلتزم ويلتزق بها حتى قام وقام حماره (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ) أي ظهر وعلم ، (قالَ) أي قال المار على القرية (أَعْلَمُ) أي اتيقن (أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) إنما قال ذلك لأنه إزداد بما شاهد وعاين يقينا وعلما ، إذ كان قبل ذلك علم استدلال ، فصار علمه ضرورة ومعاينة.
٢٦٠ ـ ثم ذكر تعالى ما أراه إبراهيم عيانا من إحياء الموتى فقال : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) في سبب سؤال إبراهيم أن الملك بشّر إبراهيم (ع) بأن الله قد إتخذه خليلا ، وأنه يجيب دعوته ، ويحيي الموتى بدعائه ، فسأل الله تعالى أن يفعل ذلك ليطمئن قلبه بأنه قد أجاب دعوته ، واتخذه خليلا (قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) هذه الألف إستفهام ويراد به التقرير أي قد آمنت لا محالة فلم تسأل إذا؟ (قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) أي بلى أنا مؤمن ولكن سألت ذاك لازداد يقينا إلى يقيني ، وليطمئن قلبي بأنك قد أجبت مسألتي ، واتخذتني خليلا كما وعدتني (قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ) مختلفة الأجناس ، وإنما خصّ الطير من بين سائر الحيوانات لخاصية الطيران وقيل : إنها الطاووس والديك والحمام والغراب (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) أي قطعهنّ (ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً) معناه : فرّقهن على كل جبل وكانت عشرة أجبل ، ثم خذ بمناقيرهن وادعهن باسمي الأكبر يأتينك سعيا ، ففعل إبراهيم ذلك وفرقهن على عشرة أجبل ، ثم دعاهن فقال : أجبن بإذن الله ، فكانت تجتمع ويأتلف لحم كل واحد وعظمه إلى رأسه (وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ) أي قويّ لا يعجز عن شيء (حَكِيمٌ) في أفعاله وأقواله ، وقيل : عزيز : يذل الأشياء له ، ولا يمتنع عليه شيء ، حكيم : أفعاله كلها حكمة وصواب.
٢٦١ ـ (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) تقديره : مثل الذين ينفقون كمثل زارع حبة ، وسبيل الله : هو الجهاد وغيره من أبواب البر كلها (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ) أي أخرجت (سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) يعني أن النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف (وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) أي يزد على سبعمائة لمن يشاء وقوله : (وَاللهُ واسِعٌ) أي واسع الرحمة لا يضيق عن المضاعفة (عَلِيمٌ) بما يستحق الزيادة.
٢٦٢ ـ لما أمر الله تعالى بالإنفاق عقّبه ببيان كيفية الإنفاق فقال : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) أي يخرجون (أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) وقد تقدم بيانه (ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا) أي نفقاتهم (مَنًّا) أي منة على المعطي (وَلا أَذىً) له ، والمنّ : هو أن يقول له : ألم أعطك كذا ، ألم أحسن إليك ، ألم أغنك؟ ونحوها ، والأذى : أن يقول : أراحني الله منك ومن ابتلائي بك (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) إلى آخره قد مرّ تفسيره وقيل معناه : لهم جزاء أعمالهم عند ربهم وإنما قال : عند ربهم لتكون النفس أسكن إليه وأوثق به ، لأن ما عنده لا يخاف عليه فوت ولا نقص (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) من فوت الأجر ونقصانه يوم القيامة (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) لفوته ونقصانه.
٢٦٣ ـ (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ) أي كلام حسن جميل لا وجه فيه من وجوه القبح يرد به السائل ، ومعناه : عفو المسؤول عن ظلم السائل ، أن يسأل في غير وقته ، أو يلحف في سؤاله ، أو يسيء الأدب بأن يفتح الباب ، ويدخل الدار بغير إذن ، فالعفو عن