ظلمه (خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) وإنما صار القول المعروف ، والعفو عن الظلم خيرا من الصدقة التي يتبعها أذى لأن صاحب هذه الصدقة لا يحصل على خير لا على عين ماله في دنياه ، ولا على ثوابه في عقباه ، والقول بالمعروف والعفو طاعتان يستحق الثواب عليهما (وَاللهُ غَنِيٌ) عن صدقاتكم ، وعن جميع طاعاتكم ، لم يأمركم بها ولا بشيء منها لحاجة منه إليها ، وإنما أمركم بها ، ودعاكم إليها لحاجتكم إلى ثوابها (حَلِيمٌ) لا يعاجلكم بالعقوبة.
٢٦٤ ـ ثم أكّد تعالى ما قدّمه بما ضرب من الأمثال فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي صدقوا الله ورسوله (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِ) أي بالمنّة على السائل ، وقيل : بالمنة على الله (وَالْأَذى) بمعنى أذى صاحبها. ثم ضرب تعالى مثلا لعمل المنان وعمل المنافق جميعا فإنهما إذا فعلا الفعل على غير الوجه المأمور به فإنهما لا يستحقان عليه ثوابا (كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ) هذا يدخل فيه المؤمن والكافر إذا أخرجا المال للرئاء (وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) هذا للكافر خاصة ، أي لا يصدق بوحدانية الله ، ولا بالبعث والجزاء (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ) أي حجر أملس (عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ) أي مطر عظيم القطر ، شديد الوقع (فَتَرَكَهُ صَلْداً) حجرا صلبا أملس ، شبّه سبحانه فعل المنافق والمنان بالصفا الذي أزال المطر ما عليه من التراب فإنه لا يقدر أحد على رد ذلك التراب عليه ، كذلك إذا دفع المنّان صدقة وقرن بها المن فقد أوقعها على وجه لا طريق له إلى إستدراكه وتلافيه لوقوعها على الوجه الذي لا يستحق عليه الثواب (لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) أي لا يقدر هؤلاء على نفقتهم ولا على ثوابها ولا يحصلون منها على شيء كما لا يحصل أحد على تراب اذهبه المطر عن الحجر (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) أي لا يثيب الكافرين على أعمالهم إذ كان الكفر محبطا لها ، ومانعا من إستحقاق الثواب عليها.
٢٦٥ ـ (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) أي يخرجون (أَمْوالَهُمُ) في أعمال البر (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) أي طلبا لرضاء الله (وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) وتوطينا لنفوسهم على الثبوت على طاعة الله (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ) كمثل بستان بمرتفع من الأرض ، وإنما خص الربوة لأن نبتها يكون أحسن ، وريعها أكثر من المستغل الذي يسيل الماء إليه ويجتمع فيه ، فلا يطيب ريعه (أَصابَها وابِلٌ) أي أصاب هذه الجنة مطر شديد (فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ) أي فاعطت غلتها ضعفي ما تعطي إذا كانت بأرض مستغلة معناه : يتضاعف أجر من أنفق ماله ابتغاء مرضاة الله (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ) أي مطر شديد (فَطَلٌ) أي أصابها مطر لين ، أراد به أن خيرها لا يخلف على كل حال ، ولا يرى الغبار عليها على كل حال (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) معناه : عالم بأفعالكم فيجازيكم بحسبها.
٢٦٦ ـ (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ) أي بستان (مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي يشتمل على النخيل والأعناب والأنهار الجارية (لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ) أي ولحقه الشيخوخة ، وطعن في السن (وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ) أي أولاد صغار ناقصو القوة (فَأَصابَها) أي أصاب تلك الجنة (إِعْصارٌ) أي ريح شديدة تهبّ من الأرض نحو السماء مثل العمود ، وتسميها الناس الزوبعة (فِيهِ نارٌ) أي في ذلك الاعصار نار (فَاحْتَرَقَتْ) تلك الجنة ، وهذا مثل ضربه الله في الحسرة بسلب النعمة للمفرّط في طاعة الله تعالى بملاذ الدنيا ، يحصل في الآخرة على الحسرة العظمى (كَذلِكَ) أي كهذا البيان الذي بيّن لكم في أمر الصدقة ، وقصة إبراهيم ، والذي مرّ على قرية ، وجميع ما سلف (يُبَيِّنُ