الحق وطريق الرشاد (رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ) بضلالهم في نفوسهم ، واضلالهم إيانا ، أي عذّبهم مثلي ما تعذب غيرهم (وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) مرة بعد أخرى ، وزدهم غضبا إلى غضبك ، وسخطا إلى سخطك. ثم خاطب سبحانه المظهرين للإيمان فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا) أي لا تؤذوا محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم كما آذى بنو إسرائيل موسى ، فإن حق النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يعظّم ويبجّل لا أن يؤذى وما أوذي به موسى : ان موسى وهارون صعدا الجبل فمات هارون ، فقالت بنو إسرائيل : أنت قتلته ، فأمر الله الملائكة فحملته حتى مرّوا به على بني إسرائيل وتكلمت الملائكة بموته حتى عرفوا انه قد مات ، وبرّأه الله من ذلك ؛ عن عليّ عليهالسلام. (وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) عظيم القدر ، رفيع المنزلة.
٧٠ ـ ٧٣ ـ ثم أمر الله سبحانه أهل الإيمان والتوحيد بالتقوى والقول السديد فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) أي اتقوا عقاب الله باجتناب معاصيه ، وفعل واجباته (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) أي صوابا بريئا من الفساد خالصا من شائبة الكذب واللغو ، موافق الظاهر للباطن وقال الحسن وعكرمة : صادقا ، يعني كلمة التوحيد لا إله إلا الله وقال مقاتل : هذا يتصل بالنهي عن الإيذاء ، أي قولوا قولا صوابا ولا تنسبوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى ما لا يجمل ولا يليق به (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ) معناه : إن فعلتم ذلك يصلح لكم أعمالكم بأن يلطف لكم فيها حتى تسقيموا على الطريقة المستقيمة السليمة من الفساد ، ويوفّقكم لما فيه الصلاح والرشاد (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) باستقامتكم في الأقوال والأفعال (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) في الأوامر والنواهي (فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً) أي فقد أفلح افلاحا عظيما (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ) اختلف في معنى الأمانة فقيل : هي ما أمر الله به من طاعته ، ونهى عنه من معصيته وقيل : هي الأحكام والفرائض التي أوجبها الله تعالى على العباد وقيل : هي أمانات الناس ، والوفاء بالعهود ومعنى عرض الأمانة العرض على أهلها ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، وعرضها عليهم : هو تعريفه إياهم ان في تضييع الأمانة الإثم العظيم ، وكذلك في ترك أوامر الله تعالى وأحكامه ؛ فبيّن سبحانه جرأة الإنسان على المعاصي وإشفاق الملائكة من ذلك فيكون المعنى : عرضنا الأمانة على أهل السماوات والأرض والجبال من الملائكة والجن والإنس (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها) أي فأبى أهلهن أن يحملوا تركها وعقابها والمأثم فيها (وَأَشْفَقْنَ مِنْها) أي وأشفق أهلهن من حملها (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً) لنفسه بارتكاب المعاصي (جَهُولاً) بموضع الأمانة في استحقاق العقاب على الخيانة فيها ، عن أبي علي الجبائي وقال : إذا لم يصح حمله على نفس السماوات والأرض والجبال ، فلا بد أن يكون المراد به أهلها ، لأنه يجب أن يكون المراد به المكلفين دون غيرهم ، لأن ذلك لا يصح إلّا فيهم ، ثم بيّن سبحانه الغرض الصحيح والحكمة البالغة في عرضه هذه الأمانة فقال (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ) يعني بتضييع الأمانة (وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) بحفظهم الأمانة ووفائهم ، وهذا هو الغرض بالتكليف فالمعنى : انا عرضنا ذلك ليظهر نفاق المنافق ، وشرك المشرك فيعذّبهم الله ، ويظهر إيمان المؤمن فيتوب الله عليه إن حصل منه تقصير في بعض الطاعات (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) أي ستّارا لذنوب المؤمنين (رَحِيماً) بهم.