عن الحسن وقيل : الجلباب : مقنعة المرأة ، أي يغطين جباههنّ ورؤوسهنّ إذا خرجن لحاجة ، وقيل : أراد بالجلابيب الثياب والقميص وما تستر به المرأة ، عن الجبائي وأبي مسلم (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) معناه : ذلك أقرب إلى أن يعرفن بالستر والصلاح فلا يتعرض لهن ، لأن الفاسق إذا عرف امرأة بالستر والصلاح لم يتعرض لها عن الجبائي (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) أي ستارا لذنوب عباده (رَحِيماً) بهم. ثم أوعد سبحانه هؤلاء الفساق فقال (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) أي لئن لم يمتنع المنافقون (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي فجور وضعف في الإيمان وهم الذين لا دين لهم عما ذكرناه من مراودة النساء وإيذائهن (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) وهم المنافقون أيضا الذين كانوا يرجفون في المدينة بالأخبار الكاذبة المضعفة لقلوب المسلمين بأن يقولوا : اجتمع المشركون في موضع كذا قاصدين لحرب المسلمين ، ونحو ذلك ويقولوا لسرايا المسلمين : إنهم قتلوا وهزموا وفي الكلام حذف وتقديره : لئن لم ينته هؤلاء عن أذى المسلمين وعن الارجاف بما يشغل قلوبهم (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) أي لنسلطنّك عليهم يا محمد عن ابن عباس والمعنى : أمرناك بقتلهم حتى تقتلهم وتخلي عنهم المدينة وقد حصل الإغراء بهم بقوله : (جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ) عن أبي مسلم وقيل : لم يحصل الإغراء بهم لأنهم انتهوا ، عن الجبائي قال : ولو حصل الإغراء لقتلوا وشردوا واخرجوا عن المدينة (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً) أي ثم لا يساكنونك في المدينة إلّا يسيرا ، وهو ما بين الأمر بالقتل وما بين قتلهم (مَلْعُونِينَ) أي مطرودين منفيين عن المدينة ، مبعدين عن الرحمة وقيل : ملعونين على ألسنة المؤمنين (أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) أي أينما وجدوا وظفر بهم اخذوا وقتلوا أبلغ القتل (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) والسنة الطريقة في تدبير الحكم ، وسنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم طريقته التي أجراها بأمر الله تعالى فأضيفت إليه ولا يقال سنّته إذا فعلها مرّة أو مرّتين ، لأن السنة الطريقة الجارية والمعنى : سنّ الله في الذين ينافقون الأنبياء ، ويرجفون بهم أن يقتلوا حيثما ثقفوا عن الزجاج (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) أي تحويلا وتغييرا ، أي لا يتهيأ لأحد تغييرها ولا قلبها من جهتها ، لأنه سبحانه القادر الذي لا يتهيأ لأحد منعه مما أراد فعله.
٦٣ ـ ٦٩ ـ ثم قال سبحانه (يَسْئَلُكَ) يا محمد (النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ) يعني القيامة (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) لا يعلمها غيره (وَما يُدْرِيكَ) يا محمد ، أي أيّ شيء يعلمك من أمر الساعة ومتى يكون قيامها ، أي أنت لا تعرفه ، ثم قال (لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) أي قريبا مجيئها ، ويجوز أن يكون أمره ان يجيب كل من يسأله عن الساعة بهذا فيقول : لعل ما تستبطئه قريب ، وما تنكره كائن ، ويجوز أن يكون تسلية له صلىاللهعليهوآلهوسلم أي فاعلم انه قريب فلا يضيقن صدرك باستهزائهم باخفائها (إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً) أي نارا تستعر وتلتهب (خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) أي وليا ينصرهم ، ونصيرا يدفع عنهم (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) التقليب : تصريف الشيء في الجهات ومعناه : تقلب وجوه هؤلاء السائلين عن الساعة وأشباههم من الكفار فتسودّ وتصفرّ وتصير كالحة بعد أن لم تكن وقيل معناه : تنقل وجوههم من جهة إلى جهة في النار. فيكون أبلغ فيما يصل إليها من العذاب (يَقُولُونَ) متمنّين متأسّفين (يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ) فيما أمرنا به ونهانا عنه (وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) فيما دعانا إليه (وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا) فيما فعلناه (سادَتَنا وَكُبَراءَنا) والسيد المالك المعظّم الذي يملك تدبير السواد الأعظم وهو الجمع الأكثر ، والمراد جميع قادة الكفر ، وأئمة الضلال (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) أي أضلّنا هؤلاء عن سبيل