يكلّموا نساء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلّا من وراء حجاب (ذلِكُمْ) أي سؤالكم إياهن المتاع من وراء حجاب (أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَ) من الريبة ومن خواطر الشيطان التي تدعو إلى ميل الرجال إلى النساء ، والنساء إلى الرجال (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) أي ليس لكم إيذاء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بمخالفة ما أمر به في نسائه ، ولا في شيء من الأشياء (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) أي من بعد وفاته ، المعنى : ولا يحلّ لكم أن تزوّجوا واحدة من نسائه بعد مماته ، كما لا يحلّ لكم أن تؤذوه في حال حياته (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً) أي إيذاء الرسول بما ذكرنا كان ذنبا عظيم الموقع عند الله تعالى (إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ) أي تظهروا شيئا أو تضمروه مما نهيتم عنه من تزويجهنّ (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) من الظواهر والسرائر ؛ وهذا تهديد. ولما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب : يا رسول الله ونحن أيضا نكلمهن من وراء حجاب ، فأنزل الله تعالى قوله (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَ) أن يروهن ، ولا يحتجبن عنهم (وَلا نِسائِهِنَ) يريد نساء المؤمنين (وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ) يعني العبيد والإماء (وَاتَّقِينَ اللهَ) أي اتركن معاصيه (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) أي حفيظا لا يغيب عنه شيء.
٥٦ ـ ٥٩ ـ (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) معناه : إن الله يصلي على النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ويثني عليه بالثناء الجميل ، ويبّجله بأعظم التبجيل ، وملائكته يصلّون عليه ، يثنون عليه بأحسن الثناء ، ويدعون له بأزكى الدعاء (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) عن كعب ابن عجرة قال : لما نزلت هذه الآية قلنا : يا رسول الله هذا السّلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟ قال : قولوا : اللهمّ صلّ على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد. ومعنى قوله : (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) : انقادوا لأوامره ، وابذلوا الجهد في طاعته وفي جميع ما يأمركم به (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) معناه : يؤذون رسول الله ، فتقدّم ذكر الله على وجه التعظيم ، إذ جعل أذى رسوله أذى له تشريفا له وتكريما ، ثم أوعد عليه بقوله (لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أي يبعدهم الله من رحمته ، ويحل بهم وبال نقمته بحرمان زيادات الهدى في الدنيا والخلود في النار في الآخرة (وَأَعَدَّ لَهُمْ) في الآخرة (عَذاباً مُهِيناً) أي مذلا لهم. حدّثنا السيد أبو الحمد قال : حدّثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني قال : حدّثنا أبو عبد الله الحافظ قال : حدّثنا أحمد العجلي قال : حدّثنا عباد بن يعقوب قال : حدّثنا أرطاة بن حبيب قال : حدّثنا أبو خالد الواسطي وهو آخذ بشعره قال : حدّثني زيد بن علي بن الحسين عليهالسلام وهو آخذ بشعره قال : حدّثني عليّ بن الحسين وهو آخذ بشعره قال : حدّثني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو آخذ بشعره فقال : من آذى شعرة منك فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله فعليه لعنة الله (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) أي يؤذونهم من غير أن عملوا ما يوجب أذاهم (فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً) أي فقد فعلوا ما هو أعظم الإثم مع البهتان وهو الكذب على الغير يواجهه به (وَإِثْماً مُبِيناً) أي ومعصية ظاهرة ثم خاطب النبي (ص) فقال (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ) أي قل لهؤلاء فليسترن موضع الجيب بالجلباب ، وهو الملاءة التي تشتمل بها المرأة