(وَ) مع ذلك (رِزْقٌ كَرِيمٌ) أي هنيء لا تنغيص فيه ولا تكدير (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ) أي والذين عملوا بجهدهم وجدّهم في ابطال حججنا ، وفي تزهيد الناس عن قبولها ، مقدرين اعجاز ربهم ، وظانين انهم يفوتونه وقيل : معاجزين : مسابقين ، ومعجزين : مثبطين ، وقد مضى تفسير هذه الآية في سورة الحج (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ) أي سيىء العذاب (أَلِيمٌ) أي مؤلم.
٦ ـ ١٠ ـ ثم ذكر سبحانه المؤمنين واعترافهم بما جحده من تقدّم ذكرهم من الكافرين فقال (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أي ويعلم الذين أعطوا المعرفة بوحدانية الله تعالى وهم أصحاب محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) يعني القرآن (هُوَ الْحَقَ) أي يعلمونه الحق لأنهم يتدبّرونه ويتفكّرون فيه ، فيعلمون بالنظر والاستدلال انه ليس من قبل البشر ، فهؤلاء لطف الله سبحانه لهم بما أدّاهم إلى العلم فكأنه سبحانه قد آتاهم العلم (وَيَهْدِي) أي ويعلمون انه يهدي إلى القرآن ويرشد (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) أي دين القادر الذي لا يغالب ، المحمود على جميع أفعاله وهو الله تعالى. وفي هذه الآية دلالة على فضيلة العلم وشرف العلماء وعظم أقدارهم. ثم عاد سبحانه إلى الحكاية عن الكفار فقال (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي بعضهم لبعض ، أو القادة للأتباع على وجه الاستبعاد والتعجب (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ) يعنون محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم (يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) أي يزعم انكم تبعثون بعد أن تكونوا عظاما ورفاتا وترابا وهو قوله : (إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) ، أي فرّقتم كل تفريق ، وقطعتم كل تقطيع ، وأكلتكم الأرض والسباع والطيور ؛ والجديد : المستأنف المعاد ، والمعنى : انكم يجدّد خلقكم بأن تنشروا وتبعثوا (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) معناه : هل كذب على الله متعمدا حين زعم انا نبعث بعد الموت؟ وهو استفهام تعجب وانكار (أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) أي جنون فهو يتكلم بما لا يعلم. ثم ردّ سبحانه عليهم قولهم فقال (بَلِ) ليس الأمر على ما قالوا من الافتراء والجنون (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي هؤلاء الذين لا يصدّقون بالبعث والجزاء والثواب والعقاب (فِي الْعَذابِ) في الآخرة (وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) من الحق في الدنيا. ثم وعظهم سبحانه ليعتبروا فقال (أَفَلَمْ يَرَوْا) أي أفلم ينظر هؤلاء الكفار (إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) كيف أحاطت بهم ، وذلك ان الانسان حيث ما نظر رأى السماء والأرض قدامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله فلا يقدر على الخروج منها ، وقيل معناه : أفلم يتدبروا ويتفكروا في السماء والأرض فيستدلوا بذلك على قدرة الله تعالى. ثم ذكر سبحانه قدرته على اهلاكهم فقال (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ) كما خسفنا بقارون (أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) أي قطعة من السماء تغطّيهم وتهلكهم (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) معناه : ان فيما ترون من السماء والأرض لدلالة على قدرة الله على البعث ، وعلى ما يشاء من الخسف بهم (لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) أناب إلى الله ورجع إلى طاعته ، أفلا يرتدع هؤلاء عن التكذيب بآيات الله والإنكار لقدرته.
١٠ ـ ١٤ ـ لمّا تقدّم ذكر عباد الله المنيبين إليه وصله سبحانه بذكر داود وسليمان فقال (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً) معناه : ولقد أعطينا داود من عندنا نعمة وإحسانا ، أي فضّلناه على غيره بما أعطيناه من النبوة والكتاب وفصل الخطاب والمعجزات. ثم فصّل سبحانه ما أعطاه فقال (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) معناه : سيري معه ، فكانت الجبال والطير تسير معه أينما سار ، وكان ذلك معجزا له ، والتأويب : السير بالنهار (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) فصار في يده كالشمع يعمل به ما شاء من