غير ان يدخله النار ، ولا ان يضربه بالمطرقة (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) أي قلنا له : اعمل من الحديد دروعا تامات ؛ وانما ألان الله تعالى الحديد لداود لأنه احبّ أن يأكل من كسب يده ، فألان الحديد له ، وعلّمه صنعة الدرع وكان أول من اتّخذها ، وكان يبيعها ويأكل من ثمنها ويطعم عياله ويتصدق منه (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) أي عدل في نسج الدروع ومنه قيل لصانعها : سراد وزراد ، والمعنى : لا تجعل المسامير دقاقا فتفلق ، ولا غلاظا فتكسر الحلق (وَاعْمَلُوا صالِحاً) أي وقلنا اعمل انت وأهلك الصالحات ، وهي الطاعات شكرا لله سبحانه على عظيم نعمه (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي أنا عالم بما تفعلونه لا يخفى عليّ شيء من أعمالكم. ثم ذكر سبحانه سليمان وما أتاه من الفضل والكرامة فقال (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) أي وسخّرنا لسليمان الريح (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) أي مسير غدو تلك الريح المسخرة له مسيرة شهر ، ومسير رواح تلك الريح مسيرة شهر والمعنى : انها كانت تسير في اليوم مسيرة شهرين للراكب (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) أي أذبنا له عين النحاس وأظهرناها له (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ) المعنى : وسخّرنا له من الجن من يعمل له بحضرته وأمام عينه ما يأمرهم به من الأعمال كما يعمل الآدمي بين يدي الآدمي بأمر ربّه تعالى ، وكان يكلّفهم الأعمال الشاقة مثل عمل الطين وغيره (وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) معناه : نذيقه العذاب في الدنيا ، وان الله سبحانه وكل بهم ملكا بيده سوط من نار فمن زاغ منهم عن طاعة سليمان ضربه ضربة أحرقته (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ) وهي بيوت الشريعة والمساجد يتعبد فيها ، وكان ممّا عملوه بيت المقدس (وَتَماثِيلَ) يعني صورا من نحاس وشبه وزجاج ورخام كانت الجن تعملها (وَجِفانٍ كَالْجَوابِ) أي صحاف كالحياض التي يجبى فيها الماء : أي يجمع ، وكان سليمان عليهالسلام يصلح طعام جيشه في مثل هذه الجفان فإنه لم يمكنه ان يطعمهم في مثل قصاع الناس لكثرتهم ، كان يجمع على كل جفنة ألف رجل يأكلون بين يديه (وَقُدُورٍ راسِياتٍ) أي ثابتات لا يزلن عن أمكنتهن لعظمهن (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) أي قلنا لهم : يا آل داود اعملوا بطاعة الله شكرا له على ما آتاكم من النعم ، وفي هذا دلالة على وجوب شكر النعمة ، وانّ الشكر طاعة المنعم وتعظيمه ، وفيه اشارة أيضا إلى ان لقرابة أنبياء الله تعالى أثرا في القرب إلى رضى الله حين خصّ آل داود بالأمر (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) والفرق بين الشكور والشاكر ان الشكور من تكرر منه الشكر ، والشاكر من وقع منه الشكر (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ) أي فلما حكمنا على سليمان بالموت (ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) أي ما دلّ الجن على موته إلّا الأرضة ، ولم يعلموا موته حتى أكلت عصاه فسقط ، فعلموا انه ميت (فَلَمَّا خَرَّ) أي سقط سليمان ميتا (تَبَيَّنَتِ الْجِنُ) أي ظهرت الجن فانكشف للناس (أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) معناه : في الأعمال الشاقة ، وإنما سمّاها عذابا للمشاق التي فيها لا انه كان عذابا.
١٥ ـ ١٩ ـ (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ) وهو أبو عرب اليمن كلها وقد تسمى به القبيلة (فِي مَسْكَنِهِمْ) أي في بلدهم (آيَةٌ) أي حجة على وحدانية الله عزّ اسمه وكمال قدرته ، وعلامة على سبوغ نعمه. ثم فسّر سبحانه الآية فقال (جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ) أي بساتين عن يمين من أتاهما وشماله (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ) أي كلوا مما رزقكم الله في هذه الجنان واشكروا له يزيدكم من نعمه ، واستغفروه يغفر لكم (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) أراد به صحة هواها ، وعذوبة مائها ، وسلامة تربتها ، وانه ليس فيها حرّ يؤذي في القيظ ، ولا برد يؤذي في الشتاء (وَرَبٌّ غَفُورٌ) أي كثير المغفرة للذنوب (فَأَعْرَضُوا) عن