فِي الْأَرْضِ) أي لا يملكون زنة ذرة من خير وشرّ ونفع وضرّ فيهما (وَما لَهُمْ فِيهِما) أي وليس لهم في خلق السماوات والأرض (مِنْ شِرْكٍ) ونصيب (وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) أي ليس لله سبحانه منهم معاون على خلق السماوات والأرض ، ولا على شيء من الأشياء (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) المعنى : انه لا تنفع الشفاعة عند الله تعالى إلا لمن رضيه الله وارتضاه وأذن له في الشفاعة مثل الملائكة والأنبياء والأولياء ، وانما قال سبحانه ذلك لأن الكفار كانوا يقولون : نعبدهم ليقرّبونا إلى الله زلفى ، وهؤلاء شفعاؤنا عند الله ، فحكم الله تعالى ببطلان اعتقاداتهم (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) أي كشف الفزع عن قلوبهم (قالُوا) أي قالت الملائكة لهم (ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا) أي قال هؤلاء المشركون مجيبين لهم (الْحَقَ) أي قال : الحق ، فيعترفون ان ما جاء به الرسل كان حقا (وَهُوَ الْعَلِيُ) أي السيد القادر المطاع (الْكَبِيرُ) في قدرته (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فإنهم لا يمكنهم أن يقولوا : ترزقنا آلهتنا التي نعبدها ثم عند ذلك (قُلِ اللهُ) الذي يرزقكم (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) إنما قال ذلك على وجه الانصاف في الحجاج دون الشك كما يقول القائل لغيره : أحدنا كاذب وان كان هو عالما بالكاذب وقيل : إنما قاله على وجه الاستعطاف والمداراة ليسمع الكلام ، وهذا من أحسن ما ينسب به المحق نفسه إلى الهدى ، وخصمه إلى الضلال ، لأنه كلام من لا يكاشف خصمه بالتضليل بل ينسبه إليه على أحسن وجه ، ويحثّه على النظر ، ولا يجب النظر إلا بعد التردّد (قُلْ) يا محمد إذا لم ينقادوا للحجة (لا تُسْئَلُونَ) أيّها الكفار (عَمَّا أَجْرَمْنا) أي اقترفنا من المعاصي (وَلا نُسْئَلُ) نحن (عَمَّا تَعْمَلُونَ) أي تعملونه أنتم ، بل كل إنسان يسأل عما يعمله ، ويجازى على فعله دون فعل غيره ، وفي هذا دلالة على ان أحدا لا يجوز أن يؤخذ بذنب غيره.
٢٦ ـ ٣٠ ـ ثم أمر سبحانه أن يحاكمهم إلى الله لاعراضهم عن الحجة فقال (قُلْ) يا محمد (يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا) يوم القيامة (ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا) أي يحكم (بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ) أي الحاكم (الْعَلِيمُ) بالحكم ، لا يخفى عليه شيء منه (قُلْ) يا محمد (أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ) إنما ذكر هذا سبحانه على وجه التعظيم والتعجيب ، أي أروني الذين زعمتم أنهم شركاء لله تعبدونهم معه ، وهذا كالتوبيخ لهم فيما اعتقدوه من الإشراك مع الله كما يقول القائل لمن أفسد عملا : أرني ما عملته ، توبيخا له بما أفسده ، فإنهم سيفتضحون بذلك إذا أشاروا إلى الأصنام. ثم قال سبحانه (كَلَّا) معناه : ارتدعوا عن هذا المقال ، وتنبّهوا من الغي والضلال (بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ) أي القادر الذي لا يغالب (الْحَكِيمُ) في جميع أفعاله فكيف يكون له شريك. ثم بيّن سبحانه نبوة نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال (وَما أَرْسَلْناكَ) يا محمد بالرسالة التي حملناكها (إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) أي عامة للناس كلهم العرب والعجم وسائر الأمم ، وقيل معناه : جامعا للناس بالإنذار والدعوة وقيل : كافّا للناس ، أي مانعا لهم عما هم عليه من الكفر والمعاصي بالأمر والنهي والوعيد والإنذار والهاء للمبالغة ، عن أبي مسلم (بَشِيراً) لهم بالجنة (وَنَذِيراً) بالنار (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) رسالتك ، لا يعلمون ما لهم في الآخرة في اتباعك من الثواب ، وما عليهم في مخالفتك من العذاب (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) الذي يعدوننا به (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فيما تقولونه يا معشر المؤمنين. ثم أمر سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بإجابتهم فقال (قُلْ) يا محمد (لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ) أي ميقات يوم ينزل بكم ما وعدتم به وهو يوم القيامة وقيل : يوم وفاتهم وقبض أرواحهم عن أبي مسلم (لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) أي