لا تتأخرون عن ذلك اليوم ولا تتقدمون عليه بأن يزاد في آجالكم أو ينقص منها.
٣١ ـ ٣٥ ـ ثم بيّن سبحانه حالهم في القيامة فقال حكاية عنهم (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهم اليهود وقيل : هم مشركو العرب (لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ) أي لا نصدق بأنه من الله تعالى (وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) من أمر الآخرة وقيل : يعنون به التوراة والانجيل وذلك انه لما قال مؤمنو أهل الكتاب : ان صفة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم في كتابنا ، وهو نبي مبعوث ، كفر المشركون بكتابهم ثم قال (وَلَوْ تَرى) يا محمد (إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي محبوسون للحساب يوم القيامة (يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ) أي يرد بعضهم إلى بعض القول في الجدال (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) وهم الأتباع (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) وهم الاشراف والقادة (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) مصدقين بتوحيد الله أي أنتم منعتمونا من الإيمان والمعنى : لو لا دعاؤكم إيانا إلى الكفر لآمنا بالله في الدنيا (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) أي قال المتبوعون للاتباع على طريق الإنكار (نَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ) أي لم نصدّكم نحن عن قبول الهدى (بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ) أي بل أنتم كفرتم ولم نحملكم على الكفر قهرا ، فكل واحد من الفريقين ورّك الذنب على صاحبه واتّهمه ، ولم يضف واحد منهم الذنب إلى الله تعالى (وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) يعني الاتباع للمتبوعين (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي مكركم في الليل والنهار صدّنا عن قبول الهدى (إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً) أي حين أمرتمونا ان نجحد وحدانية الله تعالى ، ودعوتمونا إلى أن نجعل له شركاء في العبادة (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ) فيه وجهان (أحدهما) ان معناه أظهروا الندامة (والآخر) ان المعنى أخفوها وقد فسّر الاسرار في بيت أمرىء القيس :
تجاوزت أحراسا إليها ومعشرا |
|
عليّ حراضا لو يسرّون مقتلي |
على الوجهين فمن قال بالأول قال معناه أظهر المتبوعون الندامة على الإضلال ، وأظهر الاتباع الندامة على الضلال وقيل معناه : أقبل بعضهم على بعض يلومه ويظهر ندمه ومن قال بالثاني قال معناه أخفوا الندامة في أنفسهم خوف الفضيحة وقيل معناه ان الرؤساء أخفوا الندامة عن الاتباع (لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) أي حين رأوا نزول العذاب بهم (وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا) قال ابن عباس : غلوا بها في النيران (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي لا يجزون إلّا بأعمالهم التي عملوها على قدر استحقاقهم (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ) أي من نبيّ مخوّف بالله تعالى (إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها) أي جبابرتها وأغنياؤها المتنعمون فيها (إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) وفي هذا بيان للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ان أهل قريته جروا على منهاج الأولين ، وإشارة إلى انه كان اتباع الأنبياء فيما مضى الفقراء وأوساط الناس دون الأغنياء. ثم بيّن سبحانه علة كفرهم بأن قال (وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) أي افتخروا بأموالهم وأولادهم ظنّا بأن الله سبحانه إنما خوّلهم المال والولد كرامة
__________________
من حديث الامام الرضا عليهالسلام : إن الله بعث محمدا صلىاللهعليهوآله في وقت كان الأغلب على أهل عصره الخطب والكلام ، فأتاهم من عند الله من مواعظه وأحكامه ما أبطل به قولهم ، وأثبت به الحجة عليهم. الاحتجاج ٢ / ٢٢٥