لهم عنده فقالوا : إذا رزقنا وحرمتم فنحن أكرم منكم وأفضل عند الله تعالى فلا يعذبنا على كفرنا بكم وذلك قوله (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) ولم يعلموا ان الأموال والأولاد عطاء من الله تعالى يستحق به الشكر عليهم وليس ذلك للإكرام والتفضل.
٣٦ ـ ٤٠ ـ لمّا حكى الله سبحانه عن الكفار انهم قالوا : (ما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) لأن الله تعالى أغنانا في الدنيا فلا يعذّبنا في الآخرة قال رادّا عليهم (قُلْ) يا محمد (إِنَّ رَبِّي) الذي خلقني (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ) على ما يعلمه من مصلحته ومصلحة غيره (وَيَقْدِرُ) أي ويضيق أيضا على حسب المصلحة فبسط الرزق : هو الزيادة فيه على قدر الكفاية ، والقدر : تضييقه عن قدر الكفاية (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ذلك بجهلهم بالله وبحكمته ، فيظنون ان كثرة مال الإنسان يدلّ على كرامته عند الله تعالى. ثم صرّح بهذا المعنى فقال (وَما أَمْوالُكُمْ) أي ليس أموالكم التي خوّلتموها (وَلا أَوْلادُكُمْ) التي رزقتموها (بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) أي قربى (إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) معناه : لكن من آمن بالله وعرفه ، وصدّق نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأطاعه فيما أمر به ، وانتهى عمّا نهاه عنه (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا) أي يضاعف الله حسناتهم فيجزي بالحسنة الواحدة عشرا إلى ما زاد ، والضعف اسم جنس يدل على الكثير والقليل ، ويجوز أن يكون الأموال والأولاد تقرّب الى الله تعالى ، باب يكسب المؤمن المال مستعينا به على القيام بحق التكليف ، ويستولد الولد كذلك ، فيقرّب بأنه عند الله زلفى ، فعلى هذا يكون الإستثناء متصلا ولا يكون بمعنى لكن. وقيل : إنّ جزاء الضعف أن يعطيهم من الآخرة مثل ما كان لهم في الدنيا من النعيم (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ) أي في غرف الجنة وهي البيوت فوق الأبنية (آمِنُونَ) فيها لا يخافون شيئا مما يخاف مثله في دار الدنيا من الموت والغير والآفات والأحزان (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا) أي يجتهدون في ابطال آياتنا وتكذيبها (مُعاجِزِينَ) لأنبيائنا ، ومعاجزين : أي مثبطين غيرهم عن أفعال البر (أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) مرّ تفسيره وإنما كرّره سبحانه لاختلاف الفائدة ، فالأول توبيخ للكافرين وهم المخاطبون به ، والثاني وعظ للمؤمنين ، فكأنه قال : ليس إغناء الكفار وإعطاؤهم بدلالة على كرامتهم وسعادتهم ، بل يزيدهم ذلك عقوبة ، وإغناء المؤمنين يجوز ان يكون زيادة في سعادتهم بأن ينفقوها في سبيل الله ، ويدلّ على ذلك قوله (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) أي وما أخرجتم من أموالكم في وجوه البرّ فإنه سبحانه يعطيكم خلفه وعوضه إما في الدنيا بزيادة النعمة ، وإما في الآخرة بثواب الجنة ، يقال : أخلف الله له وعليه : إذا أبدل له ما ذهب عنه (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) لأنه يعطي لمنافع عباده لا لدفع ضرر أو جرّ نفع لاستحالة المنافع والمضار عليه (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) يعني يوم القيامة يجمع العابدين لغير الله ، والمعبودين من الملائكة للحساب (ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ) الكفار (إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) أي كانوا يعبدونكم ويقصدونكم بالعبادة؟ وعلى هذا وجه التقرير والاستشهاد للملائكة على اعتقادات الكفار حتى تتبرأ الملائكة منهم ومن عبادتهم كما قال سبحانه : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ).
٤١ ـ ٤٥ ـ (قالُوا) أي قالت الملائكة (سُبْحانَكَ) أي تنزيها لك عن أن نعبد سواك ، ونتخذ معبودا غيرك (أَنْتَ) يا الله (وَلِيُّنا) أي ناصرنا وأولى بنا (مِنْ دُونِهِمْ) أي دون هؤلاء الكفار ودون كل أحد ، وما كنا نرضى بعبادتهم إيانا مع علمنا بأنك ربنا وربهم (بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ) بطاعتهم إياهم