الْمُنِيرِ) أي الواضح البيّن وإنما كرّر ذكر الكتاب وعطفه على الزبر لاختلاف الصفتين فإن الزبور أثبت في الكتاب من الكتاب لأنه يكون منقرا منقشا فيه كالنقر في الحجر (ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أي فلما كذّبوا رسلهم ، ولم يعترفوا بنبوتهم أخذتهم بالعذاب ، وأهلكتهم ودمّرت عليهم فكيف كان تعييري وانكاري عليهم وإنزالي العقاب بهم.
٢٧ ـ ٣٠ ـ ثم عاد الكلام إلى ذكر دلائل التوحيد فقال سبحانه (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) أي غيثا ومطرا (فَأَخْرَجْنا) أخبر عن نفسه بنون الكبرياء والعظمة (بِهِ) أي بذلك الماء (ثَمَراتٍ) جمع ثمرة وهي ما تجتني من الشجر (مُخْتَلِفاً أَلْوانُها) وطعومها وروائحها ؛ اقتصر على ذكر الألوان لأنها أظهر ، ولدلالة الكلام على الطعوم والروائح (وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ) أي ومما خلقنا من الجبال جدد (بِيضٌ وَحُمْرٌ) أي طرق بيض وطرق حمر (مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ) أي ومن الجبال غرابيب سود على لون واحد لا خطط فيها (وَمِنَ النَّاسِ) أيضا (وَالدَّوَابِ) التي تدبّ على وجه الأرض (وَالْأَنْعامِ) كالإبل والغنم والبقر خلق (مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ) أي كاختلاف الثمرات والجبال وتمّ الكلام. ثم قال (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) أي ليس يخاف الله حق خوفه ، ولا يحذر معاصيه خوفا من نقمته إلّا العلماء الذين يعرفونه حقّ معرفته ، وروي عن الصادق عليهالسلام انه قال : يعني بالعلماء من صدّق قوله فعله ، ومن لم يصدّق فعله قوله فليس بعالم ؛ وعن ابن عباس قال : يريد إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزّتي وسلطاني ، وفي الحديث : ان أعلمكم بالله أخوفكم لله. قال مسروق : كفى بالمرء علما أن يخشى الله ، وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعلمه ؛ وإنما خص سبحانه العلماء بالخشية لأن العالم أحذر لعقاب الله من الجاهل حيث يختص بمعرفة التوحيد والعدل ، ويصدّق بالبعث والحساب ، والجنة والنار ، ومتى قيل : فقد نرى من العلماء من لا يخاف الله ، ويرتكب المعاصي ، فالجواب : انه لا بدّ من أن يخافه مع العلم به وان كان يؤثر المعصية عند غلبة الشهوة لعاجل اللذة (إِنَّ اللهَ) تعالى (عَزِيزٌ) في انتقامه من أعدائه (غَفُورٌ) لزلّات أوليائه. ثم وصف سبحانه العلماء فقال (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ) أي يقرؤون القرآن في الصلاة وغيرها ؛ أثنى سبحانه عليهم بقراءة القرآن في الصلاة وغيرها ؛ أثنى سبحانه عليهم بقراءة القرآن (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ) أي ملكناهم التصرف فيه (سِرًّا وَعَلانِيَةً) أي في حال سرّهم وفي حال علانيتهم (يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ) أي راجين بذلك تجارة لن تكسد ولن تفسد ولن تهلك (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ) أي قصدوا بأعمالهم الصالحة وفعلوها لأن يوفّيهم الله أجورهم بالثواب (وَيَزِيدَهُمْ) على قدر استحقاقهم (مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ) لذنوبهم (شَكُورٌ) لحسناتهم. عن النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم انه قال في قوله : (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) هو الشفاعة لمن وجبت له النار ممن صنع إليه معروفا في الدنيا وقيل معنى شكور : انه يقبل اليسير ، ويثيب عليه الكثير.
٣١ ـ ٣٥ ـ ثم خاطب سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) يا محمد وأنزلناه (مِنَ الْكِتابِ) وهو القرآن (هُوَ الْحَقُ) أي الصحيح الذي لا يشوبه فساد ، والصدق الذي لا يمازجه كذب ، والعقل يدعو إلى الحق ، ويصرف عن الباطل (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) أي لما قبله من الكتب ، لأنه جاء موافقا لما بشّرت به تلك الكتب من حاله وحال من أتى به (إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ) أي عالم