(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) ويفنكم (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) سواكم كما خلقكم ولم تكونوا شيئا (وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) أي ممتنع ، بل هو عليه هيّن يسير.
١٨ ـ ٢٦ ـ ثم أخبر سبحانه عن عدله في حكمه فقال (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي لا تحمل نفس حاملة حمل نفس أخرى ، أي لا يؤاخذ أحد بذنب غيره ، وإنما يؤاخذ كل بما يقترفه من الآثام (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها) أي وان تدع نفس مثقلة بالآثام غيرها إلى أن يتحمل عنها شيئا من اثمها (لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ) أي لا يحمل غيرها شيئا من ذلك الحمل (وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) أي ولو كان المدعو إلى التحمل ذا قرابة منها ، وأقرب الناس إليها ما حمل عنها شيئا ، فكل نفس بما كسبت رهينة ، قال ابن عباس : يقول الأب والأم : يا بني احمل عني فيقول : حسبي ما عليّ (إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) أي وهم غائبون عن أحكام الآخرة وأهوالها ، وهذا كقوله : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) والمعنى : ان انذارك لا ينفع إلا الذين يخشون ربهم فكأنّك تنذرهم دون غيرهم ممن لا ينفعهم الإنذار وقيل : الذين يخشون ربهم في خلواتهم وغيبتهم عن الخلق (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أي أداموها وقاموا بشرائطها ، وإنما عطف الماضي على المستقبل اشعارا باختلاف المعنى لأن الخشية لازمة في كل وقت والصلاة لها أوقات مخصوصة (وَمَنْ تَزَكَّى) أي فعل الطاعات ، وقام بما يجب عليه من الزكاة وغيرها من الواجبات وقيل تطهر من الآثام (فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ) لأن جزاء ذلك يصل إليه دون غيره (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) أي مرجع الخلق كلّهم إلى حيث لا يملك الحكم إلّا الله سبحانه فيجازي كلّا على قدر عمله (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) أي لا يتساوى الأعمى عن طريق الحق والذي اهتدى إليه قط وقيل المشرك والمؤمن (وَلَا الظُّلُماتُ) أي ظلمات الشرك والضلال (وَلَا النُّورُ) أي نور الإيمان والهداية ، وفي قوله (ولا النور) وما بعده من زيادة (لا) قولان : أحدهما : أنها زائدة مؤكّدة للنفي ، والثاني : أنّها نافية ، لاستواء كل واحد منهما لصاحبه على التفصيل (وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ) يعني الجنة والنار وقيل : يعني ظل الليل والسموم بالنهار (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) يعني المؤمنين والكافرين وقيل : يعني العلماء والجهال وقال بعضهم : أراد نفس الأعمى والبصير ، والظل والحرور ، والظلمات والنور ، على طريق ضرب المثل ، أي كما لا يستوي هذه الأشياء ولا يتماثل ولا يتشاكل ، فكذلك عبادة الله لا تشبه عبادة غيره ، ولا يستوي المؤمن والكافر ، والحق والباطل ، والعالم والجاهل (إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ) أي ينفع بالإسماع من يشاء أن يلطف له ويوفّقه ولم يرد به نفي حقيقة السماع لأنهم كانوا يسمعون آيات الله (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) أي انك لا تقدر على أن تنفع الكفار باسماعك إيّاهم إذ لم يقبلوا كما لا تسمع من في القبور من الأموات (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) أي ما أنت إلا مخوّف لهم بالله (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِ) أي بالدين الصحيح (بَشِيراً وَنَذِيراً) أي مبشّرا للمؤمنين ، ونذيرا للكافرين (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ) أي وما من أمة من الأمم الماضية (إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) أي مضى فيها مخوّف يخوّفهم وينذرهم فأنت مثلهم نذير لمن جحد ، بشير لمن وحد. قال الجبائي : وفي هذا دلالة على انه لا أحد من المكلفين إلّا وقد بعث إليه الرسول ، وانه سبحانه أقام الحجة على جميع الأمم. ثم قال تعالى تسلية لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) يا محمد ولم يصدّقوك (فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الكفار أنبياء أرسلهم الله إليهم (جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي بالمعجزات الباهرات ، والحجج الواضحات (وَبِالزُّبُرِ) أي وبالكتب (وَبِالْكِتابِ