الله عليه وآله وسلم أبطل عبادة ما كانوا يعبدونه من الآلهة مع الله ، ودعاهم إلى عبادة الله وحده فتعجّبوا من ذلك وقالوا : كيف جعل لنا إلها واحدا بعد ما كنا نعبد آلهة؟! (إِنَّ هذا) الذي يقوله محمد من انّ الإله واحد (لَشَيْءٌ عُجابٌ) لأمر عجيب مفرط في العجب.
٦ ـ ١٠ ـ (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ) هذا تمام الحكاية عن الكفار الذين تقدّم ذكرهم ، أي وانطلق الاشراف منهم (أَنِ امْشُوا) أي يقول بعضهم لبعض امشوا (وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ) يعني انهم خرجوا من مجلسهم وهم يقولون : اثبتوا على عبادة آلهتكم ، واصبروا على دينكم ، وتحمّلوا المشاق لأجله (إِنَّ هذا) الذي نراه من زيادة أصحاب محمد (لَشَيْءٌ يُرادُ) أي أمر يراد بنا. ثم حكى عنهم أيضا بأنهم قالوا (ما سَمِعْنا بِهذا) الذي يدعونا إليه محمد من التوحيد وخلع الأنداد من دون الله (فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ) يعنون في النصرانية لأنها آخر الملل ، عن ابن عباس قال : ان النصارى لا يوحّدون لأنهم يقولون : ثالث ثلاثة (إِنْ هذا) أي ما هذا الذي يقول محمد (إِلَّا اخْتِلاقٌ) أي تخرص وكذب وافتعال. ثم أنكروا تخصيص الله إياه بالقرآن والنبوة بأن قالوا (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا) أي كيف أنزل على محمد القرآن من بيننا وليس بأكبر سنا منّا ، ولا بأعظم شرفا. فقال سبحانه (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي) أي ليس يحملهم على هذا القول إلا الشك في الذكر الذي أنزلته على رسولي (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) وهذا تهديد لهم والمعنى : انهم سيذوقونه. ثم أجابهم عن انكارهم نبوته بقوله (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ) يقول : أبأيديهم مفاتيح النبوة والرسالة فيضعونها حيث شاؤوا؟ أي انها ليست بأيديهم ولكنّها بيد (الْعَزِيزِ) في ملكه (الْوَهَّابِ) كثير الهبات والعطايا على حسب المصالح ، فيختار للنبوة من يشاء من عباده (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) فيتهيّأ لهم ان يمنعوا الله من مراده (فَلْيَرْتَقُوا) أي إن ادّعوا ذلك فليصعدوا (فِي الْأَسْبابِ) أي في أبواب السماء وطرقها ، أي فليحتالوا في أسباب توصلهم إلى السماوات ليأتوا بالوحي إلى من اختاروا.
١١ ـ ١٥ ـ ثم أخبر سبحانه عن الكفار إنهم سيهزمون ببدر فقال (جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ) أخبر الله سبحانه نبيّه وهو بمكة انه سيهزم جند المشركين فجاء تأويلها يوم بدر ، أي هؤلاء الذين يقولون هذا القول جند مهزومون مغلوبون من جملة الكفار الذين تحزّبوا على الأنبياء ، وأنت منصور عليهم مظفر غالب (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) أي قبل هؤلاء الكفار (قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ) قيل في معناه أقوال (أحدها) انه كانت له ملاعب من أوتاد يلعب له عليها (والثاني) انه كان يعذب الناس بالأوتاد ، وذلك انه إذا غضب على احد وتد يديه ورجليه ورأسه على الأرض (والثالث) ان معناه : ذو البنيان ، والبنيان أوتاد (والرابع) ان المعنى : ذو الجنود والجموع الكثيرة ، بمعنى انهم يشدون ملكه ، ويقوون أمره كما يقوّي الوتد الشيء (والخامس) إنما سمي ذو الأوتاد لكثرة جيوشه ، وكثرة أوتاد خيامهم ، فعبّر بكثرة الأوتاد عن كثرة الأجناد (وَثَمُودُ) يعني قوم صالح (وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) وهم قوم شعيب (أُولئِكَ الْأَحْزابُ) لما ذكر سبحانه هؤلاء المكذّبين أعلمنا أنّ مشركي قريش حزب من هؤلاء الأحزاب (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ) أي كل حزب منهم كذّب الرسل (فَحَقَّ عِقابِ) أي فوجب عليهم عقابي بتكذيبهم رسلي (وَما يَنْظُرُ) أي وما ينتظر (هؤُلاءِ) يعني كفار مكة (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) وهي النفخة الأولى في الصور (ما لَها مِنْ فَواقٍ) أي لا يكون لتلك الصيحة افاقة بالرجوع إلى الدنيا ، والمراد انّ عقوبة أمة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم بعذاب