الإستئصال مؤخّرة إلى يوم القيامة ، وعقوبة سائر الأمم معجّلة في الدنيا كما قال : (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ). ثم قيل لكل راحة وانظار للاستراحة فواق.
١٦ ـ ٢٠ ـ (وَقالُوا) يعني هؤلاء الكفار الذين وصفهم (رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) أي قدّم لنا نصيبنا من العذاب (قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ) قالوه على وجه الاستهزاء بخبر الله عزوجل ، عن ابن عباس ومجاهد وقتادة ، وقيل معناه : أرنا حظّنا من النعيم في الجنة حتى نؤمن ، عن السدي وسعيد بن جبير ، وقيل : لما نزل : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) ، (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ) قالت قريش : زعمت يا محمد أنّا نؤتى كتابنا بشمالنا فعجّل لنا كتبنا التي نقرؤها في الآخرة ، استهزاء منهم بالوعيد ، وتكذيبا به ، عن أبي العالية والكلبي ومقاتل ، فقال الله سبحانه لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم (اصْبِرْ) يا محمد ، أي احبس نفسك (عَلى ما يَقُولُونَ) من تكذيبك فإن وبال ذلك يعود عليهم (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ) أي ذا القوة على العبادة ، وذكر انه يقوم نصف الليل ، ويصوم نصف الدهر ، كان يصوم يوما ويفطر يوما وذلك أشدّ الصوم ، وقيل : ذا القوّة على الأعداء وقهرهم ، وذلك أنّه رمى بحجر من مقلاعه صدر رجل فأنفذه من ظهره ، فأصاب آخر فقتله ، وقيل معناه : ذا التمكين العظيم ، والنعم العظيمة ، وذلك أنه يبيت كلّ ليلة حول محرابه ألوف كثيرة من الرجال (إِنَّهُ أَوَّابٌ) أي توّاب راجع عن كل ما يكره الله تعالى إلى كل ما يحب ، من آب يؤوب إذا رجع (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ) لله إذا سبّح ، ويحتمل ان يكون الله سبحانه خلق في الجبال التسبيح (بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ) أي بالرواح والصباح (وَالطَّيْرَ) أي وسخرنا الطير (مَحْشُورَةً) أي مجموعة إليه تسبّح الله تعالى معه (كُلٌ) يعني كل الطير والجبال (لَهُ أَوَّابٌ) رجّاع إلى ما يريد ، مطيع له بالتسبيح معه (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ) أي قوّينا ملكه بالحرس والجنود والهيبة ، وكثرة العدد والعدة (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ) وهي النبوة (وَفَصْلَ الْخِطابِ) يعني الشهود والأيمان ، وأنّ البيّنة على المدّعي ، واليمين على من أنكر ، لأنّ خطاب الخصوم لا ينفصل ولا ينقطع إلّا بهذا ، وهو قول الأكثرين ، وقيل : هو العلم بالقضاء والفهم ، عن ابن مسعود والحسن ومقاتل وقتادة ؛ وقال البلخي : يجوز أن يكون المراد بتسبيح الجبال معه ما أعطاه الله تعالى من حسن الصوت بقراءة الزبور ، فكان إذا قرأ ردّت الجبال عليه مثله من الصدى ، فسمّى الله ذلك تسبيحا.
٢١ ـ ٢٥ ـ لمّا ذكر سبحانه انه آتى داود الحكمة وفصل الخطاب ، عقّبه بذكر من تخاصم إليه فقال (وَهَلْ أَتاكَ) يا محمد (نَبَأُ الْخَصْمِ) أي هل بلغك خبرهم؟ والمراد بالاستفهام هنا الترغيب في الاستماع ، والتنبيه على موضع اخلاله ببعض ما كان ينبغي ان يفعله (إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) أي حين صعدوا إليه المحراب وأتوه من أعلى سوره وهو في مصلّاه (إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ) لدخولهم عليه في غير الوقت الذي يحضر فيه الخصوم ، من غير الباب الذي كان يدخل الخصوم منه ، ولأنهم دخلوا عليه بغير اذنه (قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ) أي فقالوا لداود نحن خصمان (بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) فجئناك لتقضي بيننا وذلك قوله (فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) أي دلّنا وأرشدنا إلى وسط الطريق الذي هو طريق الحق. ثم حكى سبحانه ما قاله أحد الخصمين لصاحبه بقوله (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ) النعجة : هي الأنثى من الضأن والبقر الوحشية ، والشاة الجبلية (فَقالَ أَكْفِلْنِيها) أي ضمّها إليّ واجعلني كافلها الذي يلزم نفسه القيام بها وحياطتها والمعنى : اعطنيها