تدبّره والعمل به (مُعْرِضُونَ) عن ابن عباس وقتادة ومجاهد والسدي وقيل : خبر القيامة خبر عظيم أنتم عنه معرضون : أي عن الاستعداد لها غافلون وبها مكذّبون ، عن الحسن وقيل معناه : النبأ الذي أنبأتكم به عن الله نبأ عظيم ، عن الزجاج ، يعني ما أنبأهم به من قصص الأولين أنهم عنه معرضون لا يتفكرون فيه فيعلموا صدقي في نبوتي قال ويدل على صحة هذا المعنى قوله (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى) يعني الملائكة (إِذْ يَخْتَصِمُونَ) يعني ما ذكر من قوله : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) إلى آخر القصة وهو قول ابن عباس وقتادة والسدي أي فما علمت ما كانوا فيه إلّا بوحي من الله تعالى. وروى ابن عباس عن النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : قال لي ربّي أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت : لا قال : اختصموا في الكفارات والدرجات ، فأما الكفارات : فإسباغ الوضوء في السبرات ونقل الأقدام إلى الجماعات ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ؛ وأمّا الدرجات فإفشاء السّلام ، وإطعام الطعام ، والصلاة ؛ بالليل والناس نيام (إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) معناه : ما كان لي من علم باختصام الملائكة فيما ذكرنا لو لا أن الله تعالى أخبرني به لم يمكنني إخباركم ولكن ما يوحى إليّ إلا الإنذار البيّن الواضح وقيل معناه ليس يوحى إليّ إلا أنّي نذير مبين مخوّف مظهر للحق.
٧١ ـ ٨٣ ـ ثم دلّ سبحانه على ان اختصام الملائكة كان في أمر آدم عليهالسلام بقوله (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ) فالظاهر ان إذ يتعلق بقوله يختصمون وإن اعترض بينهما كلام (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) يعني آدم (فَإِذا سَوَّيْتُهُ) أي فإذا سوّيت خلق هذا البشر ، وتمّمت أعضاءه وصورته (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) أي أحييته وجعلت فيه الروح ؛ وأضاف الروح إلى نفسه تشريفا له ومعنى نفخت فيه : أي توليت فعله من غير سبب وواسطة كالولادة المؤدّية إلى ذلك ، فإن الله شرّف آدم وكرّمه بهذه الحالة (فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) أي فاسجدوا له أجمعين في الكلام حذف والتقدير ثم أن الله تعالى خلق ذلك البشر الذي وعدهم بخلقه (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) مفسّر في سورة البقرة (قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) هذا سؤال توبيخ وتعريف للملائكة أنه لا عذر له في الامتناع عن السجود ومعنى قوله : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) ، تولّيت خلقه بنفسي من غير واسطة عن الجبائي ، ومثله مما عملت أيدينا ، وذكر اليدين لتحقيق الإضافة لخلقه إلى نفسه وهو قول مجاهد ومثله قوله (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) أي ربّك وقيل : معناه : خلقته بقدرتي ، عن أبي مسلم وغيره ، والعرب كما تطلق لفظ اليد للقدرة والقوة فقد تطلق لفظة اليدين ، قال عروة بن حزام :
فإن تحملي ودّي وودّك تفدحي |
|
وما لك بالحمل الثقيل يدان |
(أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ) أي أرفعت نفسك فوق قدرك ، وتعظّمت عن امتثال أمري أم كنت من الذين تعلو أقدارهم عن السجود فتعاليت عنه (قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) فضّل النار على الطين (قالَ فَاخْرُجْ مِنْها) أي من الجنة (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) أي طريد مبعد (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ قالَ) إبليس عند ذلك (رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أي أخّرني إلى يوم يحشرون للحساب وهو يوم القيامة (قالَ) الله تعالى له (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) أي المؤخرين (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) وقد فسّرنا جميع ذلك فيما تقدّم (قالَ) إبليس (فَبِعِزَّتِكَ) أي أقسم بقدرتك التي تقهر بها جميع خلقك (لَأُغْوِيَنَّهُمْ) يعني بني آدم كلهم (أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) أي أدعوهم إلى الغيّ وأزيّن لهم القبائح ، إلّا عبادك الذين