الذي ذكرنا (لَرِزْقُنا) أي عطاؤنا الجاري المتصل (ما لَهُ مِنْ نَفادٍ) أي فناء وانقطاع لأنه على سبيل الدوام.
٥٥ ـ ٦١ ـ لما بيّن سبحانه أحوال أهل الجنة وما أعدّ لهم من جزيل الثواب ، عقّبه ببيان أحوال أهل النار وما لهم من أليم العذاب فقال : (هذا) أي ما ذكرناه للمتقين ، ثم ابتدأ فقال (وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ) الذين طغوا على الله وكذّبوا رسله (لَشَرَّ مَآبٍ) وهو ضدّ مآب المتقين ، ثم فسرّ ذلك فقال (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها) أي يدخلونها فيصيرون صلاء لها (فَبِئْسَ الْمِهادُ) أي فبئس المسكن (هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) أي هذا حميم وغساق فليذوقوه ، والحميم : الماء الحار ، والغساق : البارد الزمهرير ، فيكون المعنى : انهم يعذّبون بحار الشراب الذي انتهت حرارته ، وببارد الذي انتهت برودته ، فببرده يحرق كما يحرق النار وقيل : إن الغساق عين في جهنم يسيل إليها سم كل ذات حمة من حية وعقرب ، وقيل : هو القيح الذي يسيل منهم يجمع ويسقونه وقيل : هو عذاب لا يعلمه إلا الله (وَآخَرُ) أي وضروب أخر (مِنْ شَكْلِهِ) أي من شكل هذا العذاب وجنسه (أَزْواجٌ) ألوان وأنواع متشابهة في الشدة لا نوع واحد (هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ) أي يقال لهم : هذا فوج ، وهم قادة الضلالة إذا دخلوا النار ، ثم يدخل الأتباع فيقول الخزنة للقادة : هذا فوج ، أي قطع من الناس وهم الأتباع مقتحم معكم في النار ، دخلوها كما دخلتم وقيل ، يعني بالأول أولاد إبليس ، وبالفوج الثاني بني آدم ، يقال لبني إبليس : هذا جمع من بني آدم مقتحم معكم النار (لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ) أي لا اتسعت لهم أماكنهم لأنهم لازموا النار فيكون المعنى : ان القادة والرؤساء يقولون للأتباع : لا مرحبا بهؤلاء انهم يدخلون النار مثلنا ، فلا فرج لنا في مشاركتهم إيانا ، فيقول الأتباع لهم (قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ) أي لا نلتم رحبا وسعة (أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا) أي حملتمونا على الكفر الذي أوجب لنا هذا العذاب ، ودعوتمونا إليه. روي عن النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم. أن النار تضيق عليهم كضيق الزج بالرمح (فَبِئْسَ الْقَرارُ) الذي استقررنا عليه (قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا) أي يدعون عليهم بهذا إذا حصلوا في نار جهنم ، أي من سبّب لنا هذا العذاب ودعانا إلى ما استوجبنا به ذلك (فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً) أي مثلا مضاعفا إلى مثل ما يستحقه (فِي النَّارِ) أحد الضعفين لكفرهم بالله ، والضعف الآخر لدعائهم إيانا إلى الكفر.
٦٢ ـ ٧٠ ـ ثم حكى سبحانه عن أهل النار أيضا بقوله : (وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ) أي يقولون ذلك حين ينظرون في النار فلا يرون من كان يخالفهم فيها معهم وهم المؤمنون (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) معناه : أنهم يقولون لما لم يروهم في النار : اتخذناهم هزؤا في الدنيا فأخطأنا ، أم عدلت عنهم أبصارنا فلا نراهم وهم معنا في النار (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌ) أي ان ما ذكر قبل هذا لحق ، أي كائن لا محالة. ثم بيّن ما هو فقال : (تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) يعني تخاصم الاتباع والقادة ، أو مجادلة أهل النار بعضهم لبعض على ما أخبر عنهم. ثم خاطب نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : (قُلْ) يا محمد (إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ) أي مخوّف من معاصي الله ، ومحذّر من عقابه (وَما مِنْ إِلهٍ) يحقّ له العبادة (إِلَّا اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) لجميع خلقه ، المتعالي بسعة مقدوراته ، فلا يقدر أحد الخلاص من عقوبته إذا أراد عقابه (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) من الإنس والجن وكل خلق (الْعَزِيزُ) الذي لا يغلبه شيء ، ولا يمتنع منه شيء (الْغَفَّارُ) لذنوب عباده مع قدرته على عقابهم (قُلْ) يا محمد (هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ) يعني القرآن ، هو حديث عظيم لأنه كلام الله المعجز ، ولأن فيه أنباء الأولين (أَنْتُمْ عَنْهُ) أي عن