(أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ) أي بتعب ومكروه ومشقة. فأجاب الله دعاءه وقال له (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) أي ادفع برجلك الأرض (هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ) نبعت عينان ، فاغتسل من أحدهما فبرىء ، وشرب من الاخرى فروي (وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) هذا مفسّر في سورة الأنبياء ، وروي عن أبي عبد الله عليهالسلام : أن الله تعالى أحيا له أهله الذين كانوا ماتوا قبل البلية ، وأحيا له أهله الذين ماتوا وهو في البلية (رَحْمَةً مِنَّا) أي فعلنا ذلك به لرحمتنا إياه (وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) أي ليتذكّر ويعتبر به ذوو الألباب : أي العقول ، ويعرفوا حسن عاقبة الصبر فيصبروا كما صبر ؛ قالوا : انه أطعم جميع أهل قريته سبعة أيام ، وأمرهم بأن يحمدوا الله ويشكروه (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً) وهو ملء الكف من الشماريخ وما أشبه ذلك ، أي وقلنا له ذلك ، وذلك أنه حلف على امرأته لأمر أنكره من قولها لئن عوفي ليضربنها مائة جلدة فقيل له : خذ ضغثا بعدد ما حلفت به (فَاضْرِبْ بِهِ) أي واضربها به دفعة واحدة فإنك إذا فعلت ذلك برت يمينك (وَلا تَحْنَثْ) في يمينك ، نهاه عن الحنث. وروي عن ابن عباس أنه قال : كان السبب في ذلك أن إبليس لقيها في صورة طبيب فدعته لمداواة أيوب عليهالسلام فقال : اداويه على انه إذا برىء قال : أنت شفيتني ، لا أريد جزاء سواه قالت : نعم ، فأشارت إلى أيوب بذلك فحلف ليضربنّها. ثم أخبر سبحانه عن حال أيوب وعظم منزلته فقال : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً) على البلاء الذي ابتليناه به (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) أي رجّاع إلى الله ، منقطع إليه.
٤٥ ـ ٥٤ ـ ثم عطف سبحانه على ما تقدّم حديث الأنبياء فقال : (وَاذْكُرْ) يا محمد لقومك وأمتك (عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) ليقتدوا بهم في حميد أفعالهم ، وكريم خلالهم ، فيستحقّوا بذلك حسن الثناء في الدنيا ، وجزيل الثواب في العقبى كما استحق أولئك (أُولِي الْأَيْدِي) أي ذوي القوة على العبادة (وَالْأَبْصارِ) الفقه في الدين ، ومعناه : أولي العلم والعمل ، فالأيدي : العمل ، والأبصار : العلم (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) أي جعلناهم لنا خالصين بأن خلصت لهم ذكرى الدار. والخالصة : بمعنى الخلوص ، والذكرى : بمعنى التذكير ، أي خلص لهم تذكير الدار ، وهو أنهم كانوا يتذكرونها بالتأهب لها ، ويزهدون في الدنيا كما هو عادة الأنبياء (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا) وبحسب ما سبق في عملنا (لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ) للنبوة ، وتحمل أعباء الرسالة (الْأَخْيارِ) جمع خير ، وهو الذي يفعل الأفعال الكثيرة الحسنة (وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ) أي اذكر لأمتك هؤلاء أيضا ليقتدوا بهم ، ويسلكوا طريقتهم وقد تقدّم ذكرهم (وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ) قد اختارهم الله للنبوة (هذا ذِكْرٌ) أي شرف لهم وذكر جميل ، وثناء حسن يذكرون به في الدنيا أبدا (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ) أي حسن مرجع ومنقلب يرجعون في الآخرة إلى ثواب الله ومرضاته ؛ ثم فسّر حسن المآب بقوله : (جَنَّاتِ عَدْنٍ) أي جنات إقامة وخلود (مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) أي يجدون أبوابها مفتوحة حين يردونها ، ولا يحتاجون إلى الوقوف عند أبوابها حتى تفتح (مُتَّكِئِينَ فِيها) أي مستندين فيها إلى المساند ، جالسين جلسة الملوك (يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ) أي يتحكمون في ثمارها وشرابها فإذا قالوا لشيء منها أقبل : حصل عندهم (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ) أي وعندهم في هذه الجنان أزواج قصرن طرفهن على أزواجهن ، راضيات بهم ، ما لهنّ في غيرهم رغبة (أَتْرابٌ) أي أقران على سنّ واحد ليس فيهن عجوز ولا هرمة ، أي متساويات في الحسن ومقادر الشباب (هذا) يعني ما ذكر فيما تقدّم (ما تُوعَدُونَ) أي يوعد به المتقون أو يخاطبون فيقال لهم هذا القول (لِيَوْمِ الْحِسابِ) أي ليوم الجزاء (إِنَّ هذا)