٣٠ ـ ٤٠ ـ ثم عطف سبحانه على قصة داود عليهالسلام حديث سليمان فقال : (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ) أي وهبناه له ولدا (نِعْمَ الْعَبْدُ) أي نعم العبد سليمان (إِنَّهُ أَوَّابٌ) أي رجاع إلى الله تعالى في أمور دينه ابتغاء مرضاته (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ) يجوز أن يتعلّق إذ بنعم العبد ، أي نعم العبد هو حين عرض عليه ، ويجوز أن يتعلّق با ذكر يا محمد المحذوف لدلالة الكلام عليه (بِالْعَشِيِ) أي في آخر النهار بعد زوال الشمس (الصَّافِناتُ) الخيل الواقفة على ثلاث قوائم ، الواضعة طرف السنبك الرابع على الأرض (الْجِيادُ) السريعة المشي ، الواسعة الخطو. قال الكلبي : غزا سليمان دمشق ونصيبين فأصاب ألف فرس (فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) والمراد بالخير الخيل هنا فإن العرب تسمي الخيل الخير ، فالمعنى : آثرت حب الخيل عن ذكر ربي ، أي على ذكر ربي. قال الفراء : كل من أحب شيئا فقد آثره ؛ وقال الجبائي : لم يفته الفرض وإنما فاته نفل كان يفعله آخر النهار لاشتغاله بالخيل (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) أي غربت الشمس (رُدُّوها عَلَيَ) أي قال لأصحابه : ردّوا الخيل عليّ عن أكثر المفسرين (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) والمعنى : أنه أقبل يضرب سوقها وأعناقها لأنها كانت سبب فوت صلاته ، وإنما فعل ذلك لأنها كانت أعزّ ماله فتقرّب إلى الله تعالى بأن ذبحها ليتصدّق بلحومها ، ويشهد بصحته قوله : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ) أي اختبرناه وابتليناه وشددنا المحنة عليه (وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً) أي وطرحنا عليه جسدا ، والجسد : الذي لا روح فيه (ثُمَّ أَنابَ) روي أن الجن والشياطين لما ولد لسليمان ابن قال بعضهم لبعض : ان عاش له ولد لنلقين منه ما لقينا من أبيه من البلاء ، فأشفق منهم عليه فاسترضعه في المزن وهو السحاب ، فلم يشعر إلّا وقد وضع على كرسيه ميتا ، تنبيها على أن الحذر لا ينفع عن القدر ، فإنما عوتب على خوفه من الشياطين. ثم حكى سبحانه دعاء سليمان حين أناب إلى الله تعالى بقوله : (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) ان الأنبياء لا يسألون إلا ما يؤذن لهم في مسألته ، وجائز أن يكون الله تعالى أعلم سليمان أنه ان سأل ملكا لا يكون لغيره كان أصلح له في الدين ، وأعلمه أنه لا صلاح لغيره في ذلك. ثم بيّن سبحانه أنه أجاب دعاه بقوله (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً) أي طيبة سريعة تجري إلى حيث يشاء (حَيْثُ أَصابَ) أي حيث أراد سليمان من النواحي عن أكثر المفسرين ، قال الحسن : كان يغدو من إيليا ، ويقيل بقزوين ، ويبيت بكابل (وَالشَّياطِينَ) أي وسخّرنا له الشياطين أيضا (كُلَّ بَنَّاءٍ) في البرّ يبني له ما أراد من الأبنية الرفيعة (وَغَوَّاصٍ) في البحر على اللآلىء والجواهر فيستخرج له ما يشاء منها (وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) أي وسخّرنا له آخرين من الشياطين مشدودين في الأغلال والسلاسل من الحديد ، وكان يجمع بين أثنين وثلاثة منهم في سلسلة لا يمتنعون عليه إذا أراد ذلك بهم عند تمردهم (هذا عَطاؤُنا) أي هذا الذي تقدّم ذكره من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعدك عطاؤنا (فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ) أي فاعط من الناس من شئت ، وامنع من شئت والمنّ : الإحسان إلى من لا يستثيبه (بِغَيْرِ حِسابٍ) أي لا تحاسب يوم القيامة على من تعطي وتمنع فيكون أهنأ لك (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) معناه : وإن لسليمان عندنا لقربى وحسن مرجع في الآخرة.
٤١ ـ ٤٤ ـ (وَاذْكُرْ) يا محمد (عَبْدَنا أَيُّوبَ) شرّفه الله سبحانه بأنه أضافه إلى نفسه ، واقتد به في الصبر على الشدائد (إِذْ نادى رَبَّهُ) أي حين دعا ربّه رافعا صوته يقول : يا رب