٢٦ ـ ٣١ ـ ثم أخبر سبحانه عما فعله بالأمم المكذّبة بأن قال (فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ) أي الذل والهوان (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ) أي أعظم وأشدّ (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) سمّى ذكر الأمم الماضية مثلا كما قال : ونبيّن لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال والمعنى : انا وصفنا وبيّنّا للناس في هذا القرآن كل ما يحتاجون إليه من مصالح دينهم ودنياهم (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أي لكي يتذكروا ويتدبّروا فيعتبروا (قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) أي غير ذي ميل عن الحق ، بل هو مستقيم موصل إلى الحق (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي لكي يتقوا معاصي الله. ثم ضرب سبحانه مثلا للكافر وعبادته الأصنام فقال (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ) أي مختلفون سيّئو الأخلاق متنازعون ، وإنما ضرب هذا المثل لسائر المشركين ولكنه ذكر رجلا واحدا وصفه بصفة موجودة في سائر المشركين فيكون المثل المضروب له مضروبا لهم جميعا ، ويعني بقوله : (رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ) أي يعبد آلهة مختلفة ، وأصناما كثيرة ، وهم متشاجرون متعاسرون ، هذا يأمره وهذا ينهاه ، ويريد كل واحد منهم أن يفرده بالخدمة ، ثم يكل كل منهم أمره إلى الآخر ، ويكل الآخر إلى الآخر ، فيبقى هو خاليا عن المنافع ، وهذا حال من يخدم جماعة مختلفة الآراء والأهواء ؛ هذا مثل الكافر. ثم ضرب سبحانه مثل المؤمن الموحّد فقال (وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ) أي خالصا يعبد مالكا واحدا لا يشوب بخدمته خدمة غيره ، ولا يأمل سواه ، ومن كان بهذه الصفة نال ثمرة خدمته لا سيما إذا كان المخدوم حكيما قادرا كريما وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بالإسناد عن عليّ عليهالسلام أنه قال : أنا ذاك الرجل السلم لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وروى العياشي بإسناده عن أبي خالد عن أبي جعفر عليهالسلام قال : الرجل السلم للرجل حقا عليّ وشيعته (هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) أي هل يستوي هذان الرجلان صفة وشبها في حسن العاقبة وحصول المنفعة؟ أي لا يستويان ، فإن الخالص لمالك واحد يستحق من معونته وحياطته ما لا يستحقّه صاحب الشركاء المختلفين في أمره ؛ وتمّ الكلام ثم قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ) معناه : احمدوا الله حيث لطف بكم حتى عبدتموه وحده ، وأخلصتم الإيمان له والتوحيد ، فهي النعمة السابغة (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) حقيقة ذلك. ثم بيّن سبحانه المقام الذي يتبيّن فيه المحقّ والمبطل فقال : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) أي عاقبتك الموت وكذا عاقبة هؤلاء (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) يعني المحق والمبطل ، والظالم والمظلوم ، عن ابن عباس ، وقال : الاختصام يكون بين المهتدين والضالين والصادقين والكاذبين.
٣٢ ـ ٣٥ ـ ثم بيّن سبحانه حال الفريقين فقال : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ) بأن ادّعى له ولدا وشريكا (وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ) بالتوحيد والقرآن (إِذْ جاءَهُ) ثم هدّد سبحانه من هذه صورته بأن قال (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ) أي منزل ومقام للجاحدين ، وهذا استفهام يراد به التقرير ومعناه : انه لكذلك (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) الذي جاء بالصدق محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وصدّق به علي بن أبي طالب عليهالسلام عن مجاهد ، ورواه الضحاك عن ابن عباس ، وهو المروي عن أئمة الهدى عليهمالسلام من آل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم. ثم منّ سبحانه بما أعدّ لهم من النعيم فقال (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ) من الثواب والنعيم في الجنة (عِنْدَ رَبِّهِمْ) ينالون من جهته (ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) على إحسانهم الذي فعلوه في الدنيا ، وأعمالهم الصالحة (لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا) أي أسقط الله عنهم عقاب الشرك والمعاصي التي