٢١ ـ ٢٥ ـ لمّا قدّم سبحانه ذكر الدعاء إلى التوحيد عقّبه بذكر دلائل التوحيد فقال يخاطب نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وإن كان المراد جميع المكلفين (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) أي مطرا (فَسَلَكَهُ) أي فأدخل ذلك الماء (يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ) مثل العيون والأنهار والقني والآبار ونظيره قوله : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) (ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ) أي بذلك الماء من الأرض (زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) أي مختلف الألوان من أخضر وأصفر وأبيض وأحمر (ثُمَّ يَهِيجُ) أي يجف وييبس (فَتَراهُ مُصْفَرًّا) بعد خضرته (ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً) أي رفاتا منكسرا متفتّتا (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) معناه : إن في إخراج هذه الزروع الوانا مختلفة بماء واحد ، ونقلها من حال إلى حال لتذكيرا لذوي العقول السليمة إذا تفكّروا في ذلك عرفوا الصانع المحدث ، وعلموا صحة الابتداء والبعث والإعادة (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) أي فسح صدره ، ووسّع قلبه لقبول الإسلام والثبات عليه (فَهُوَ عَلى نُورٍ) أي على دلالة وهدى (مِنْ رَبِّهِ) شبّه الأدلة بالنور لأن بها يعرف الحق كما بالنور تعرف أمور الدنيا (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) وهم الذين ألفوا الكفر وتعصبوا له ، وتصلبت قلوبهم حتى لا ينجع فيها وعظ ولا ترغيب ولا ترهيب ، ولا ترقّ عند ذكر الله وقراءة القرآن (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ) أي عدول عن الحق (مُبِينٍ) أي ظاهر واضح (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) يعني القرآن ، سمّاه الله حديثا لأنه كلام الله ، والكلام سمّي حديثا كما يسمى كلام النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حديثا ، ولأنه حديث التنزيل بعد ما تقدّمه من الكتب المنزلة على الأنبياء ، وهو أحسن الحديث لفرط فصاحته ، ولإعجازه واشتماله على جميع ما يحتاج المكلف إليه من التنبيه على أدلّة التوحيد والعدل ، وبيان أحكام الشرع وغير ذلك من المواعظ وقصص الأنبياء والترغيب والترهيب (كِتاباً مُتَشابِهاً) في حسن النظم ، وجزالة اللفظ ، وجودة المعاني (مَثانِيَ) سمّي بذلك لأنه يثنى فيه بعض القصص والأخبار والأحكام والمواعظ بتصريفها في ضروب البيان ، ويثنى أيضا في التلاوة فلا يملّ لحسن مسموعه (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) أي تأخذهم قشعريرة خوفا مما في القرآن من الوعيد (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) إذا سمعوا ما فيه من الوعد بالثواب والرحمة والمعنى : أن قلوبهم تطمئنّ وتسكن إلى ذكر الله الجنة والثواب ، وروي عن العباس بن عبد المطلب أن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : إذا إقشعرّ جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها (ذلِكَ) يعني القرآن (هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ) من عباده بما نصب فيه من الأدلة ، وهم الذين آتاهم القرآن من أمة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وقيل : يهدي به من يشاء من الذين اهتدوا (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) عن طريق الجنة (فَما لَهُ مِنْ هادٍ) أي لا يقدر على هدايته أحد (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) تقديره : أفحال من يدفع عذاب الله بوجهه يوم القيامة كحال من يأتي آمنا لا تمسّه النار ؛ وإنما قال بوجهه لأن الوجه أعزّ أعضاء الإنسان ، ثم أخبر سبحانه عما يقوله خزنة النار للكفار بقوله : (وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) أي جزاء ما كسبتموه من المعاصي ، ثم أخبر سبحانه عن أمثال هؤلاء الكفار من الأمم الماضية فقال (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) بآيات الله ، وجحدوا رسله (فَأَتاهُمُ الْعَذابُ) عاجلا (مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) أي وهم آمنون غافلون.