(ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) من الأصنام ؛ وهذا على وجه التهديد لهم بذلك (قُلْ) لهم (إِنَّ الْخاسِرِينَ) في الحقيقة هم (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) فلا ينتفعون بأنفسهم ، ولا يجدون في النار أهلا كما كان لهم في الدنيا أهل ، فقد فاتتهم المنفعة بأنفسهم وأهليهم عن مجاهد وابن زيد وقيل : خسروا أنفسهم بأن قذفوها بين أطباق الجحيم ، وخسروا أهليهم الذين أعدّوا لهم في جنة النعيم عن الحسن : قال ابن عباس : ان الله تعالى جعل لكل إنسان في الجنة منزلا وأهلا ، فمن عمل بطاعته كان له ذلك ، ومن عصاه صار إلى النار ، ودفع منزله وأهله إلى من أطاع فذلك قوله : (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ) (أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) أي البيّن الظاهر الذي لا يخفى (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ) أي سرادقات وأطباق من النار ودخانها. نعوذ بالله منها (وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) أي فرش ومهد ، وقيل : إنما سمي ما تحتهم من النار ظللا لأنها ظلل من تحتهم إذ النار أدراك وهم بين أطباقها وقيل : إنما أجرى اسم الظل على قطع النار على سبيل التوسع والمجاز لأنها في مقابلة ما لأهل الجنة من الظلل والمراد : أن النار تحيط بجوانبهم (ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ) أي ذلك الذي وصف من العذاب يخوّف الله به عباده رحمة لهم ليتّقوا عذابه بامتثال أوامره ؛ ثم أمرهم بالاتقاء فقال : (يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) فقد أنذرتكم وألزمتكم الحجة (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ) أي الأوثان والشيطان وقيل : كل من دعا إلى عبادة غير الله تعالى (أَنْ يَعْبُدُوها) أي اجتنبوا عبادتها (وَأَنابُوا إِلَى اللهِ) أي تابوا إليه فأقلعوا عما كانوا عليه (لَهُمُ الْبُشْرى) أي البشارة وهي الإعلام بما يظهر به السرور في بشرة وجوههم جزاء على ذلك. وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : أنتم هم ؛ ومن أطاع جبارا فقد عبده ، ثم قال سبحانه مخاطبا لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم (فَبَشِّرْ) يا محمد (عِبادِ) اجتزأ بالكسرة عن الياء (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) أي أولاه بالقبول والعمل به ، وأرشده إلى الحق وقيل : فيتبعون أحسن ما يؤمرون به ويعملون به ، عن السدي ، وقيل معناه : يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن عن الزجاج وقيل : يستمعون ما في القرآن والسنة من الطاعات والمباحات ، فيتبعون الطاعة التي هي أحسن إذ يستحق الثواب عليه أكثر ، وهو أن يأخذ بأفضل الأمرين كما ان القصاص حق والعفو أفضل ، فيأخذون بالعفو (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ) أي هؤلاء الذين هذه صفتهم هم الذين هداهم الله فاهتدوا به إلى الحق (وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) أي ذوو العقول الذين انتفعوا بعقولهم وقال عبد الرحمن بن زيد : نزل قوله (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ) الآيتين في ثلاثة نفر كانوا يقولون في الجاهلية لا إله إلا الله زيد بن عمرو بن نفيل ، وأبي ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) معناه : أفمن وجب عليه وعيد الله بالعقاب أفأنت تخلصه من النار؟ وإنما قال ذلك للنّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لحرصه على اسلام المشركين والمعنى : انك لا تقدر على ادخال الإسلام في قلوبهم شاءوا أم أبوا ، فلا عليك إذا لم لم يؤمنوا فإنما أتوا ذلك من قبل نفوسهم ، وهذا كقوله : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ) الآية. ثم بيّن سبحانه ما أعدّه للمؤمنين كما بيّن ما أعدّه للكفار فقال : (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ) أي قصور في الجنة (مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ) قصور (مَبْنِيَّةٌ) وهذا في مقابلة قوله : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) ، فإنّ في الجنة منازل رفيعة بعضها فوق بعض ، وذلك ان النظر من الغرف إلى الخضر والمياه أشهى وألذّ (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي من تحت الغرف (وَعْدَ اللهِ) أي وعدهم الله تلك الغرف والمنازل وعدا (لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ).