محالة ، فإن مات الموحد من غير توبة فهو في مشيئة الله إن شاء عذّبه بعدله ، وإن شاء غفر له بفضله كما قال : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ؛ ثم دعا سبحانه عباده إلى التوبة وأمرهم بالإنابة إليه فقال : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ) أي ارجعوا من الشرك والذنوب إلى الله فوحّدوه (وَأَسْلِمُوا لَهُ) أي انقادوا له بالطاعة فيما يأمركم به وقيل معناه اجعلوا أنفسكم خالصة له قد حثّ سبحانه بهذه الآية على التوبة كيلا يرتكب الإنسان المعصية ويدع التوبة اتكالا على الآية المتقدمة (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) عند نزول العذاب بكم (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) أي من الحلال والحرام والأمر والنهي والوعد والوعيد ، فمن أتى بالمأمور به وترك المنهي عنه فقد اتبع الأحسن عن ابن عباس وقيل : إنما قال أحسن ما أنزل لأنه أراد بذلك الواجبات والنوافل التي هي الطاعات دون المباحات. وقيل : أراد بالأحسن الناسخ دون المنسوخ ، عن الجبائي. قال علي بن عيسى : وهذا خطأ ، لأنّ المنسوخ لا يجوز العمل به ، فلا يكون حسنا بل هو قبيح ، ولا يكون الحسن أحسن من قبيح (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً) أي فجأة في وقت لا تتوقعونه (وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) أي لا تعرفون وقت نزوله بكم.
٥٦ ـ ٦٠ ـ لمّا أمر الله سبحانه باتباع الطاعات ، واجتناب المقبحات تحذيرا من نزول العقوبات ، بيّن الغرض في ذلك بقوله (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ) أي خوف أن تقول أو حذرا من أن تقول والمعنى : كراهة أن تصيروا إلى حال تقولون فيها (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) أي يا ندامتي على ما ضيّعت من ثواب الله عن ابن عباس وقيل قصرت في أمر الله عن مجاهد والسدي وقيل : في طاعة الله ، عن الحسن قال الفراء بالجنب : القرب ، أي في قرب الله وجواره ، يقال : فلان يعيش في جنب فلان ، أي في قربه وجواره ، ومنه قوله تعالى : (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) فيكون المعنى على هذا القول : على ما فرطت في طلب جنب الله ، أي في طلب جواره وقربه وهو الجنة ، وقال الزجاج : أي فرطت في الطريق الذي هو طريق الله ، فيكون الجنب بمعنى الجانب أي قصرت في الجانب الذي يؤدّي إلى رضا الله. وروى العياشي بالإسناد عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليهالسلام أنه قال : نحن جنب الله (وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) أي واني كنت لمن المستهزئين بالنّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والقرآن ، وبالمؤمنين في دار الدنيا (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) أي فعلنا ذلك كراهة أن تقول : لو أراد الله هدايتي لكنت ممن يتّقي معاصيه خوفا من عقابه (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) أي لو أنّ لي رجعة إلى الدنيا فأكون من الموحّدين المطيعين. ثم قال سبحانه منكرا على هذا القائل (بَلى) أي ليس كما قلت (قَدْ جاءَتْكَ آياتِي) أي حججي ودلالاتي (فَكَذَّبْتَ بِها) وأنفت من اتباعها وذلك قوله (وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) بها (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ) فزعموا أن له شريكا وولدا (وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) الذي تكبّروا عن الإيمان بالله. هذا استفهام تقرير ، أي فيها مثواهم ومقامهم ، وعن سودة بن كليب قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن هذه الآية فقال : كل من انتحل إمامة ليست له من الله.
٦١ ـ ٦٦ ـ لما أخبر الله سبحانه عن حال الكفار عقّبه بذكر حال الأتقياء الأبرار فقال (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا) معاصيه خوفا من عقابه (بِمَفازَتِهِمْ) أي بمنجاتهم من النار (لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ) أي لا يصيبهم المكروه والشدة (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) على ما فاتهم من لذات الدنيا. ولما ذكر الوعد والوعيد بيّن سبحانه أنه القادر على كل شيء بقوله (اللهُ خالِقُ