دار الدنيا من أمر دينهم ودنياهم ، وتفصل بينهم بالحق في الحقوق والمظالم ، أي فاحكم بيني وبين قومي بالحق ؛ وفي هذا بشارة للمؤمنين بالظفر والنصر لأنه سبحانه إنما أمره به للإجابة لا محالة ؛ وعن سعيد بن المسيب أنه قال : إني لأعرف موضع آية لم يقرأها أحد قط فسأل الله شيئا إلا أعطاه ، قوله : (قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الآية. ثم أخبر سبحانه عن وقوع العقاب بالكفار بأن قال : (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ) زيادة عليه (لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) وقد مضى تفسيره (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) أي ظهر لهم يوم القيامة من صنوف العذاب ما لم يكونوا ينتظرونه ولا يظنونه واصلا إليهم ، ولم يكن في حسابهم قال السدي ظنّوا أعمالهم حسنات فبدت لهم سيئات وقيل ان محمد بن المنكدر جزع عند الموت فقيل له أتجزع؟ قال أخذتني آية من كتاب الله عزوجل وبدا لهم الآية أخذتني أن يبدو لي من الله ما لم أحتسب (وَبَدا لَهُمْ) أي وظهر لهم أيضا (سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) أي جزاء سيئات أعمالهم (وَحاقَ بِهِمْ) أي نزل بهم (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) وهو كل ما ينذرهم النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مما كانوا ينكرونه ويكذبون به. ثم أخبر عن شدة تقلب الإنسان من حال إلى حال فقال (فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ) من مرض أو شدّة (دَعانا) واستغاث بنا مسلما مخلصا في كشفه علما بأنه لا يقدر غيرنا عليه (ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا) أي أعطيناه نعمة من الصحة في الجسم ، والسعة في الرزق ، أو غير ذلك من النعم (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) قيل فيه وجوه (أحدها) قال : إنما أوتيته بعلمي وجلدي وحيلتي عن الحسن والجبائي ، فيكون هذا إشارة إلى جهلهم بمواضع المنافع والمضار (وثانيها) على علم : على خير علمه الله عندي عن قتادة ومقاتل (وثالثها) على علم يرضاه عنّي فلذلك أتاني ما أتاني من النعمة ثم قال ليس الأمر على ما يقولونه (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) أي بلية واختبار يبتليه الله بها فيظهر كيف شكره أو صبره في مقابلتها فيجازيه بحسبها وقيل معناه : هذه النعمة فتنة أي عذاب لهم إذا أضافوها إلى أنفسهم وقيل معناه : هذه المقالة التي قالوها فتنة لهم لأنهم يعاقبون عليها (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) البلوى من النعمى وقيل : لا يعلمون ان النعم كلها من الله وان حصلت بأسباب من جهة العبد (قَدْ قالَهَا) أي قد قال مثل هذه الكلمة وهذه المقالة (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) مثل قارون حيث قال : إنّما أوتيته على علم عندي (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي فلم ينفعهم ما كانوا يجمعونه من الأموال ، بل صارت وبالا عليهم.
٥١ ـ ٥٥ ـ ثم أخبر سبحانه عن حال هؤلاء الكفار فقال : (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) أي أصابهم عقاب سيئاتهم فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه وقيل : إنّما سمّي عقاب سيئاتهم سيئة لازدواج الكلام كقوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ) أي من كفار قومك يا محمد (سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) أيضا (وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) أي لا يفوتون الله تعالى وقيل : لا يعجزون الله بالخروج من قدرته (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) أي يوسّع الرزق على من يشاء ، ويضيق على من يشاء بحسب ما يعلم من المصلحة (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) دلالات واضحات (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) يصدقون بتوحيد الله تعالى لأنّهم المنتفعون بها (قُلْ) يا محمد (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) بارتكاب الذنوب (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) أي لا تيأسوا من مغفرة الله (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وعن ثوبان مولى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية ، وعن أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام أنه قال : ما في القرآن آية أوسع من (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) الآية. فالله سبحانه يغفر جميع الذنوب للتائب لا