قولهم إنما البيع الذي لا ربا فيه مثل البيع الذي فيه الربا (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) أي أحل الله البيع الذي لا ربا فيه ، وحرم البيع الذي فيه الربا (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) معناه : فمن جاءه زجر ونهي وتذكير من ربه (فَانْتَهى) أي فانزجر وتذكر واعتبر (فَلَهُ ما سَلَفَ) معناه : فله ما أخذ وأكل من الربا قبل النهي لا يلزمه رده (وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) قيل معناه : أمره إلى الله فلا يؤاخذه بما سلف من الربا (وَمَنْ عادَ) إلى أكل الربا بعد التحريم وقال ما كان يقوله قبل مجيء الموعظة من أن البيع مثل الربا (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) لأن ذلك القول لا يصدر إلا من كافر مستحل للربا ، فلهذا وعد بعذاب الأبد ، وعن أبي عبد الله قال : درهم ربا أعظم عند الله من سبعين زنية كلها بذات محرم في بيت الله الحرام.
٢٧٦ ـ ثم أكد سبحانه ما تقدم بقوله (يَمْحَقُ اللهُ) أي ينقص الله (الرِّبا) حالا بعد حال إلى أن يتلف المال كله (وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) أي وينمي الصدقات ويزيدها ، بأن يثمر المال في نفسه في العاجل ، وبالأجر عليه والثواب في الآجل (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) الكفار فعال من الكفر وهو المقيم عليه ، المستمسك به ، المعتاد له.
٢٧٧ ـ هذه الآية ظاهرة المعنى وقد مر تفسيرها فيما مضى ، وإنما جمع بين هذه الخصال لا لأن الثواب لا يستحق على كل واحدة منها ، إذ لو كان كذلك لكان فيه تصغير من كل واحدة منها ، ولكن جمع بينها للترغيب في الأعمال الصالحة والتفخيم لأمرها ، والتعظيم لشأنها.
٢٧٨ ـ ٢٧٩ ـ ثم بيّن سبحانه حكم ما بقي من الربا فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) في أمر الربا وفي جميع ما نهاكم عنه (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) أي واتركوا ما بقي من الربا فلا تأخذوه ، واقتصروا على رؤوس أموالكم وقوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) معناه : من كان مؤمنا فهذا حكمه ، فأما من ليس بمؤمن فإنه يكون حربا (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) أي فإن لم تقبلوا أمر الله ، ولم تنقادوا له ، ولم تتركوا بقية الربا بعد نزول الآية بتركه (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) أي فأيقنوا واعلموا بقتال من الله ورسوله والمعنى : أيقنوا أنكم تستحقون القتل في الدنيا ، والنار في الآخرة لمخالفة أمر الله ورسوله (وَإِنْ تُبْتُمْ) من إستحلال الربا ، وأقررتم بتحريمه (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) دون الزيادة (لا تَظْلِمُونَ) بأخذ الزيادة على رأس المال (وَلا تُظْلَمُونَ) بالنقصان من رأس المال.
٢٨٠ ـ لما أمر سبحانه بأخذ رأس المال من الموسر ، بيّن بعده حال المعسر فقال : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ) معناه : وإن وقع في غرمائكم ذو عسرة (فَنَظِرَةٌ) أي فالذي تعاملونه به نظرة (إِلى مَيْسَرَةٍ) أي إلى وقت اليسار ، أي فالواجب نظرة أي فانظروه إلى وقت يساره (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ) معناه : وإن تتصدقوا على المعسر بما عليه من الدين خير لكم (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الخير من الشر ؛ وتميزون ما لكم عما عليكم.
٢٨١ ـ ثم حذّر سبحانه المكلفين من بعد ما تقدم من ذكر آي الحدود والأحكام فقال : (وَاتَّقُوا يَوْماً) معناه : واحذروا يوما ، واخشوا يوما (تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) تردّون جميعا إلى جزاء الله (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) توفى جزاء ما كسبت من الأعمال (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) معناه : لا ينقصون ما يستحقونه من الثواب ، ولا يزداد عليهم ما يستحقونه من العقاب.
٢٨٢ ـ لمّا أمر سبحانه بانظار المعسر وتأجيل دينه ، عقّبه ببيان أحكام الحقوق المؤجلة ، وعقود المداينة فقال : (يا أَيُّهَا