الَّذِينَ آمَنُوا) أي صدقوا الله ورسوله (إِذا تَدايَنْتُمْ) أي تعاملتم وداين بعضكم بعضا (بِدَيْنٍ) انه على وجه التأكيد وتمكين المعنى في النفس (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي وقت مذكور معلوم بالتسمية (فَاكْتُبُوهُ) معناه : فاكتبوا الدين في صكّ لئلا يقع فيه نسيان أو جحود ، وليكون ذلك توثقة للحق ، ونظرا للذي له الحق وللذي عليه الحق وللشهود ، فوجه النظر للذي له الحق أن يكون حقه موثقا بالصك والشهود فلا يضيع حقه ، ووجه النظر للذي عليه الحق أن يكون أبعد به من الجحود فلا يستوجب النقمة والعقوبة ، ووجه النظر للشهود أنه إذا كتب بخطه كان ذلك أقوم للشهادة ، وأبعد من السهو ، وأقرب إلى الذكر ، ثم بين كيفية الكتابة فقال : (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ) يعني وليكتب كتاب المداينة ، أو البيع بين المتعاقدين كاتب بالقسط والإنصاف والحق لا يزيد فيه ولا ينقص منه في صفة ولا مقدار ، ولا يستبدل ولا يكتب شيئا يضر بأحدهما إلا بعلمه (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ) أي ولا يمتنع كاتب من (أَنْ يَكْتُبَ) الصك على الوجه المأمور به (كَما عَلَّمَهُ اللهُ) من الكتابة بالعدل وقيل : كما فضله الله تعالى بتعليمه إياه فلا يبخل على غيره في الكتابة (فَلْيَكْتُبْ) أمر للكاتب ، أي فليكتب الصك على الوجه المأمور به ثم بيّن سبحانه كيفية الإملاء على الكاتب فقال سبحانه : (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) يعني المديون يقرّ على نفسه بلسانه ليعلم ما عليه فليكتب (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) أي الذي عليه الحق في الإملاء (وَلا يَبْخَسْ) أي ولا ينقص (مِنْهُ) أي من الحق (شَيْئاً) لا من قدره ولا من صفته ، ثم بين الله تعالى حال من لا يصح منه الإملاء فقال : (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً) أي جاهلا بالإملاء وقيل : صغيرا طفلا (أَوْ ضَعِيفاً) أي ضعيف العقل من عته أو جنون (أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ) أي مجنونا (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) معناه : فليملل ولي الذي عليه الحق إذا عجز عن الإملاء بنفسه ثم أمر سبحانه بالإشهاد فقال : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) يعني اطلبوا الشهود واشهدوا على المكتوب رجلين من رجالكم ، أي من أهل دينكم (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) أي فليشهد رجل وامرأتان (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) عدالته (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) أي تنسى إحدى المرأتين (فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) الشهادة التي تحملتاها لأن النسيان يغلب على النساء أكثر مما يغلب على الرجال (وَلا تَسْئَمُوا) أي ولا تضجروا ولا تملوا (أَنْ تَكْتُبُوهُ) أي تكتبوا الحق (صَغِيراً) كان الحق (أَوْ كَبِيراً) ومعناه : لا تملوا أن تكتبوا الشهادة على الحق (إِلى أَجَلِهِ) أي إلى أجل الدين (ذلِكُمْ) كتابة الشهادة والصك (أَقْسَطُ) أي أعدل (عِنْدَ اللهِ) لأنه سبحانه أمر به ، واتباع أمره أعدل من تركه (وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ) أي أصوب للشهادة ، وأبعد من الزيادة والنقصان ، والسهو والغلط والنسيان (وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) أي أقرب إلى أن لا تشكوا في مبلغ الحق والأجل (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً) معناه : الا أن تقع تجارة أي مداينة ومبايعة حاضرة يدا بيد (حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ) أي تتناقلونها من يد إلى يد نقدا لا نسيئة (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) أي حرج وضيق (أَلَّا تَكْتُبُوها) ومعناه : فليس عليكم إثم في ترك كتابتها لأن الكتابة للوثيقة ولا يحتاج إلى الوثيقة إلا في النسيئة دون النقد (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) أي واشهدوا الشهود على بيعكم إذا تبايعتم ، وهذا أمر على الإستحباب والندب (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) النهي للكاتب والشاهد عن المضارة ، معنى المضارة : أن يكتب الكاتب ما لم يمل عليه ويشهد الشاهد بما لم يستشهد فيه ، أو بأن يمتنع من إقامة الشهادة (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) معناه : وان تفعلوا مضارة الكاتب والشهيد ، فإن المضارة في الكتابة والشهادة فسوق بكم ، أي خروج عما أمر الله سبحانه (وَاتَّقُوا اللهَ) فيما أمركم به ونهاكم عنه