كارِهُونَ) لأنكم ألفتم الباطل فكرهتم مفارقته (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) أي بل أحكموا أمرا في كيد محمد (ص) والمكر به فإنّا مبرمون : محكمون أمرا في مجازاتهم (أَمْ يَحْسَبُونَ) أي بل أيظنّ هؤلاء الكفار (أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) أي ما يسرّونه من غيرهم ويتناجون به بينهم والسرّ : ما يضمره الإنسان في نفسه ولا يظهره لغيره ، والنجوى ما يحدث به المحدّث غيره في الخفية (بَلى) نسمع ذلك وندركه (وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) ما يقولونه ويفعلونه ، يعني الحفظة (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) إن بمعنى ما النفي والمعنى : ما كان للرحمن ولد فأنا أوّل العابدين لله ، المقرّين بذلك عن ابن عباس.
ثم نزّه سبحانه نفسه عن ذلك فقال : (سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) أي تنزيها لمالك السماوات والأرض وخالقهن ، وخالق العرش ومدبّره عما يصفونه به من اتّخاذ الولد ، لأنّ من قدر على ذلك استغنى عن اتخاذ الولد.
ثم خاطب سبحانه نبيه (ص) على وجه التهديد للكفار فقال : (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا) في باطلهم (وَيَلْعَبُوا) في دنياهم (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) فيه بعذاب الأبد ، وهو يوم القيامة (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) أي هو الذي تحقّ له العبادة في السماء وتحقّ له العبادة في الأرض.
وإنما كرر لفظ إله لأمرين : (أحدهما) التأكيد ليتمكن المعنى في النفس (والثاني) لأن المعنى هو إله في السماء يجب على الملائكة عبادته ، وإله في الأرض يجب على الإنس والجن عبادته (وَهُوَ الْحَكِيمُ) في جميع أفعاله (الْعَلِيمُ) بمصالح عباده (وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) أي دامت بركته ، فمنه البركات وإيصال السعادات ، وجلّ عن أن يكون له ولد أو شبيه من له التصرف في السماوات والأرض وفيما بينهما بلا دافع وبلا منازع (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) أي علم يوم القيامة لأنه لا يعلم وقته على التعيين غيره (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يوم القيامة فيجازي كلّا على قدر عمله.
٨٦ ـ ٨٩ ـ ثمّ ذكر سبحانه انه لا شفاعة لمعبوديهم فقال : (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) أي الذين يدعوه الكفار إلها ، ويوجّهون عبادتهم إليه من الأصنام وغيرها (الشَّفاعَةَ) لمن يعبدهم كما توهّمه الكفار ، وهي مسألة الطالب العفو عن غيره وإسقاط العقاب عنه (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ) وهم عيسى ابن مريم ، وعزير ، والملائكة ، استثناهم سبحانه ممن عبد من دون الله فإنّ لهم عند الله منزلة الشفاعة ، عن قتادة.
وقيل معناه : لا يملك أحد من الملائكة وغيرهم الشفاعة إلا لمن شهد بالحق ، أي شهد أن لا إله إلا الله (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أي يعلمون بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم ، وفي هذا دلالة على أنّ حقيقة الإيمان هو الاعتقاد بالقلب والمعرفة ، لأنّ الله شرط مع الشهادة العلم وهو ما اقتضى طمأنينة القلب إلى ما اعتقده بحيث لا يتشكك إذا شكّك ، ولا يضطرب إذا حرّك (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) يا محمد (مَنْ خَلَقَهُمْ) أي أخرجهم من العدم إلى الوجود (لَيَقُولُنَّ اللهُ) لأنّهم يعلمون ضرورة أن أصنامهم لم تخلقهم (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) أي فكيف يصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره (وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ).
قال قتادة : هذا نبيكم يشكو قومه إلى ربّه وينكر عليهم تخلفهم عن الإيمان (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ) أي فأعرض عنهم يا محمد بصفح وجهك ، كما قال : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (وَقُلْ سَلامٌ) أي مداراة ومتاركة وقيل : هو سلام هجران ومجانبة ، لا