عَدُوٌّ) معناه : انّ الذين تخالّوا وتواصلوا في الدنيا يكون بعضهم أعداء لبعض ذلك اليوم ، يعني يوم القيامة ، وهم الذين تخالّوا على الكفر والمعصية ، ومخالفة النبي (ص) لما يرى كل واحد منهم من العذاب بسبب تلك المصادقة ، ثم استثنى من جملة الأخلّاء المتقين فقال : (إِلَّا الْمُتَّقِينَ) من المؤمنين الموحّدين الذين خالّ بعضهم بعضا على الإيمان والتقوى ، فإن تلك الخلّة تتأكد بينهم يوم القيامة ولا تنقلب عداوة.
(يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) أي يقال لهم وقت الخوف : يا عبادي لا خوف عليكم من العذاب اليوم (وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) من فوات الثواب ثم وصف سبحانه عباده وميّزهم عن غيرهم ، فقال (الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا) أي صدّقوا بحججنا ودلائلنا واتبعوها (وَكانُوا مُسْلِمِينَ) أي مستسلمين لأمرنا ، خاضعين منقادين ، والذين آمنوا في محل النصب على البدل من عبادي والصفة لهم ثمّ بيّن سبحانه ما يقال لهم بقوله : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ) اللاتي كنّ مؤمنات مثلكم (تُحْبَرُونَ) أي تسرّون وتكرمون ، وقد مرّ تفسيره في سورة الروم (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ) أي بقصاع (مِنْ ذَهَبٍ) فيها ألوان الأطعمة (وَأَكْوابٍ) أي كيزان لا عرى لها ، وقيل : بآنية مستديرة الرأس.
اكتفى سبحانه بذكر الصحاف والأكواب عن ذكر الطعام والشراب (وَفِيها) أي وفي الجنة (ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ) من أنواع النعيم المشروبة والمطعومة والملبوسة والمشمومة وغيرها (وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) أي وما تلذّه العيون بالنظر إليه ، وإنما أضاف الالتذاذ إلى الأعين وإنما الملتذّ على الحقيقة هو الإنسان ، لأنّ المناظر الحسنة سبب من أسباب اللذّة ، فإضافة اللذّة إلى الموضع الذي يلذّ الإنسان به أحسن لما في ذلك من البيان مع الإيجاز.
وقد جمع الله سبحانه بقوله ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين ما لو اجتمع الخلائق كلهم على أن يصفوا ما في الجنة من أنواع النعيم لم يزيدوا على ما انتظمته هاتان الصفتان (وَأَنْتُمْ فِيها) أي في الجنة وأنواع من الملاذ (خالِدُونَ) أي دائمون مؤبدون (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي أعطيتموها بأعمالكم.
قال إبن عباس : الكافر يرث نار المؤمن ، والمؤمن يرث جنّة الكافر ، وهذا كقوله (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ) (لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ) جمع لهم بين الطعام والشراب والفواكه ، وبين دوام ذلك ، فهذه غاية الأمنيّة.
ثم أخبر سبحانه عن أحوال أهل النار فقال : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ) دائمون (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ) العذاب ، أي لا يخفّف عنهم (وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) آيسون من كلّ خير.
٧٦ ـ ٨٥ ـ لمّا بيّن سبحانه ما يفعله بالمجرمين ، بيّن أنه لم يظلمهم بذلك فقال : (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) نفوسهم بما جنوا عليها من العذاب (وَنادَوْا يا مالِكُ) أي ويدعون خازن جهنّم فيقولون : يا مالك (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) أي ليمتنا ربّك حتى نتخلص ونستريح من هذا العذاب (قالَ) أي فيقول مالك مجيبا لهم (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) أي لابثون دائمون في العذاب.
(لَقَدْ جِئْناكُمْ) أي يقول الله تعالى : لقد أرسلنا إليكم الرسل (بِالْحَقِ) أي جاءكم رسلنا بالحق ، وأضافه إلى نفسه لأنه كان بأمره (وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ) معاشر الخلق (لِلْحَقِ